للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت بالبادية ورأيت ناقة ترتع، وفصيلها يرتضع من أخلافها، إذ نهشت الناقة على مشافرها أفعى، فبقيت واقفة سادرة، والفصيل يرتضع، فبينا هو يرتضع إذ خرّ ميّتا.

فكان موته قبل موت أمّه من العجب. وكان مرور السمّ في تلك الساعة القصيرة أعجب، وكان ما صار من فضول سمها في لبن الضّرع حتى قتل الفصيل قبل أمه عجبا آخر.

والمرأة المرضع تشرب النبيذ فيسكر عن لبنها الرضيع وتشرب دواء المشي فيعتري الرضيع الخلفة [١] . فلذلك يختار الحكماء لأولادهم الظئر البريئة من ألأدواء:

في عقلها، وفي بدنها.

وتوهّموا أن اللبن إنما نجع في الفصيل لقرابة ما بين اللبن والدّم، فصار ذلك السمّ أسرع إليه منه إلى أمه. ولعل ضعف الفصيل قد أعان أيضا على ذلك.

١٤٩٦-[قصتان في من لسعته العقرب]

قال أبو عبيدة [٢] : لسعت أعرابيّا عقرب بالبصرة، فخيف عليه فاشتدّ جزعه، فقال بعض الناس: ليس شيء خيرا له من أن تغسل له خصية زنجي عرق- وكانت ليلة غمقة [٣]- فلما سقوه قطب [٤] ، فقيل له: طعم ماذا تجد؟ قال: طعم قربة جديدة.

وخبرني محمد وعليّ ابنا بشير، أن ظئرا لسليمان بن رياش لسعتها عقرب فملأت الدنيا صراخا، فقال سليمان: اطلبوا لها هذه العقرب، فإن دواءها أن تلسعها لسعة أخرى في ذلك المكان، فقالت العجوز: قد برئت، وقد سكن وجعي، ولا حاجة لي إلى هذا العلاج. قال: فأتوه بعقرب لا والله إن يدرى: أهي تلك أم غيرها؟ فأمر بها فأمسكت فقالت: أنشدك بالله واللبن فأبى وأرسلها عليها. فلسعتها فغشي عليها ومرضت زمانا وتساقط شعر رأسها. فقيل لسليمان في ذلك فقال: يا مجانين! لا والله إن ردّ عليّ روحها إلا اللسعة الثانية. ولولا هي لقد كانت ماتت.


[١] الخلفة: استطلاق البطن.
[٢] عيون الأخبار ٢/١٠٣، وربيع الأبرار ٥/٤٧٦.
[٣] غمقة: ثقيلة الندى مع سكون الريح.
[٤] قطب: زوى ما بين عينيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>