للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مني غفلة لم يخطئ موق عيني. هذا والله دأبه ودأبي دهرا معه. قلت له: إنّ شبه الذباب بالذباب كشبه الغراب بالغراب؛ فلعلّ الذي آذاك اليوم أن يكون غير الذي آذاك أمس، ولعلّ الذي آذاك آمس غير الذي آذاك أوّل من أمس، فقال: أعتق ما أملك إن لم أكن أعرفه بعينه منذ خمس عشرة سنة. فهذا هو الذي أضحكني.

٨٢٩-[قصة في سفاد الذباب]

وقال الخليل بن يحيى: قد رأيت الخنزير يركب الخنزيرة عامّة نهاره، ورأيت الجمل يركب الناقة ساعة من نهاره. وكنت قبل ذلك أغبط العصفور والعصم- فإنّ الذّكر وإن كان سريع النّزول عن ظهر الأنثى فإنّه لسرعة العودة، ولكثرة العدد، كأنّه في معنى الخنزير والجمل وحتّى رأيت الذّباب وفطنت له، فإذا هو يركب الذّبابة عامّة نهاره. فقال له محمد بن عمر البكراوي: ليس ذلك هو السّفاد. قال: أمّا الذي رأت العينان فهذا حكمه. فإن كنت تريد أن تطيب نفسك بإنكار ما تعرف ممّا قسم الله عزّ وجلّ بين خلقه، من فضول اللّذّة، فدونك.

ويزعمون أنّ للورل [١] في ذلك ما ليس عند غيره.

٨٣٠-[قصّة آكل الذّبّان]

وأنشد ابن داحة في مجلس أبي عبيدة، قول السّيّد الحميريّ [٢] : [من الكامل]

أترى ضهاكا وابنها وابن ابنها ... وأبا قحافة آكل الذّبان

كانوا يرون، وفي الأمور عجائب ... يأتي بهنّ تصرّف الأزمان

أنّ الخلافة في ذؤابة هاشم ... فيهم تصير وهيبة السّلطان

وكان ابن داحة رافضيّا، وكان أبو عبيدة خارجيّا صفريا، فقال له: ما معناه في قوله: «آكل الذّبّان» ؟ فقال: لأنّه كان يذبّ عن عطر ابن جدعان. قال: ومتى احتاج العطّارون إلى المذابّ؟! قال: غلطت إنّما كان يذب عن حيسة ابن جدعان. قال:

فابن جدعان وهشام بن المغيرة، كان يحاس لأحدهما الحيسة [٣] على عدّة أنطاع [٤] ،


[١] الورل: دابة على خلقة الضب، إلا أنه أعظم منه، وليس في الحيوان أكثر سفادا منه. حياة الحيوان ٢/٤١٧- ٤١٨.
[٢] ديوان السيد الحميري ٤٤٩.
[٣] الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه. «القاموس: حيس» .
[٤] الأنطاع: جمع نطع، وهو بساط من الأديم. «القاموس: نطع» .

<<  <  ج: ص:  >  >>