كان كلب صيد فديته أربعون درهما، وإن كان كلب ضرع فديته شاة، وإن كان كلب دار فديته زنبيل من تراب، حقّ على القاتل أن يؤدّيه، وحقّ على صاحب الدار أن يقبله، فهذا مقدار ظاهر حاله ومفتّشه، وكوامن خصاله، ودفائن الحكمة فيه.
والبرهانات على عجيب تدبير الربّ تعالى ذكره فيه، على خلاف ذلك؛ فلذلك استجازوا النّظر في شأنه، والتمثيل بينه وبين نظيره.
وتعلم أيضا مع ذلك أن الكلب إذا كان فيه، مع خموله وسقوطه، من عجيب التدبير والنعمة السابغة والحكمة البالغة، مثل هذا الإنسان الذي له خلق الله السموات والأرض وما بينهما، أحق بأن يفكر فيه، ويحمد الله تعالى على ما أودعه من الحكمة العجيبة، والنّعمة السابغة.
وقلت: ولو كان بدل النظر فيهما النظر في التوحيد، وفي نفي التشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي التعديل والتجوير، وفي تصحيح الأخبار، والتفضيل بين علم الطبائع والاختيار، لكان أصوب.
١٧٢-[دفاع عن المتكلمين]
والعجب أنّك عمدت إلى رجال لا صناعة لهم ولا تجارة إلّا الدعاء إلى ما ذكرت، والاحتجاج لما وصفت، وإلّا وضع الكتب فيه والولاية والعداوة فيه، ولا لهم لذة ولا همّ ولا مذهب ولا مجاز إلا عليه وإليه؛ فحين أرادوا أن يقسّطوا بين الجميع بالحصص، ويعدلوا بين الكلّ بإعطاء كلّ شيء نصيبه، حتّى يقع التعديل شاملا، والتقسيط جامعا، ويظهر بذلك الخفيّ من الحكم، والمستور من التدبير، اعترضت بالتعنّت والتعجّب، وسطّرت الكلام، وأطلت الخطب، من غير أن يكون صوّب رأيك أديب، وشايعك حكيم.
١٧٣-[نسك طوائف من الناس]
وسأضرب لك مثلا قد استوجبت أغلظ منه، وتعرّضت لأشدّ منه ولكنّا نستأني بك وننتظر أوبتك. وجدنا لجميع أهل النّقص، ولأهل كلّ صنف منهم نسكا يعتمدون عليه في الجمال، ويحتسبون به في الطاعة وطلب المثوبة، ويفزعون إليه، على قدر فساد الطّباع، وضعف الأصل، واضطراب الفرع، مع خبث المنشأ، وقلّة التثبّت والتوقّف، ومع كثرة التقلّب والإقدام مع أوّل خاطر «١» : فنسك المريب