ولقد سأل زياد ليلة من الليالي: من على شرطتكم؟ قالوا: بلج بن نشبة الجشميّ. فقال:[من الطويل]
وساع مع السلطان يسعى عليهم ... ومحترس من مثله وهو حارس
ويقال: إن الشاعر قال هذا الشعر في الفلافس النّهشليّ، حين ولي شرطة الحارث بن عبد الله فقال:[من الطويل]
أقلّي عليّ اللوم يا ابنة مالك ... وذمّي زمانا ساد فيه الفلافس «١»
وساع مع السلطان يسعى عليهم ... ومحترس من مثله وهو حارس
وليس يحكم لصغار المضارّ على كبارها بل الحكم للغامر على المغمور والقاهر على المقهور. ولو قد حكينا ما ذكر هذا الشّيخ من خصال الكلب وذكر صاحبه من خصال الديك، أيقنت أنّ العجلة من عمل الشيطان، وأنّ العجب بئس الصاحب.
وقلت: وما يبلغ من قدر الكلب ومن مقدار الديك، أن يتفرّغ لهما شيخان من جلّة المعتزلة، وهم أشراف أهل الحكمة؛ فأيّ شيء بلغ، غفر الله تعالى لك، من قدر جزء لا يتجزّأ من رمل عالج، والجزء الأقلّ من أوّل قطع الذّرّة للمكان السحيق، والصحيفة التي لا عمق لها، ولأيّ شيء يعنون بذلك، وما يبلغ من ثمنه وقدر حجمه، حتّى يتفرّغ للجدال فيه الشّيوخ الجلّة، والكهول العلية، وحتّى يختاروا النّظر فيه على التسبيح والتهليل، وقراءة القرآن وطول الانتصاب في الصلاة؛ وحتّى يزعم أهله أنّه فوق الحجّ والجهاد، وفوق كل برّ واجتهاد. فإن زعمت أنّ ذلك كلّه سواء، طالت الخصومة معك، وشغلتنا بهما عمّا هو أولى بنا فيك. على أنّك إذا عممت ذلك كلّه بالذمّ، وجلّلته بالعيب، صارت المصيبة فيك أجلّ، والعزاء عنها أعسر. وإن زعمت أنّ ذلك إنّما جاز لأنّهم لم يذهبوا إلى أثمان الأعيان في الأسواق، وإلى عظم الحجم، وإلى ما يروق العين ويلائم النفس، وأنّهم إنّما ذهبوا إلى عاقبة الأمر فيه، وإلى نتيجته، وما يتولّد عنه من علم النّهايات، ومن باب الكلّ والبعض، وكان ويكون، ومن باب ما يحيط به العلم أو ما يفضل عنه، ومن فرق ما بين مذاهب الدّهريّة ومذاهب الموحّدين. فإن كان هذا العذر مقبولا، وهذا الحكم صحيحا، فكذلك نقول في الكلب، لأنّ الكلب ليس له خطر ثمين ولا قدر في الصدر جليل؛ لأنّه إن