وقد علمنا أنّ أفضل ما يقطع به الفرّاغ نهارهم، وأصحاب الفكاهات ساعات ليلهم، الكتاب. وهو الشيء الذي لا يرى لهم فيه مع النيل أثر في ازدياد تجربة ولا عقل ولا مروءة، ولا في صون عرض، ولا في إصلاح دين، ولا في تثمير مال، ولا في ربّ صنيعة «١» ولا في ابتداء إنعام.
٢٧-[أقوال لبعض العلماء في فضل الكتاب]
وقال أبو عبيدة، قال المهلّب لبنيه في وصيّته: يا بنيّ لا تقوموا في الأسواق إلّا على زرّاد أو ورّاق «٢» .
وحدّثني صديق لي قال: قرأت على شيخ شاميّ كتابا فيه من مآثر غطفان فقال: «ذهبت المكارم إلّا من الكتب»«٣» .
وسمعت الحسن اللؤلؤي يقول: غبرت «٤» أربعين عاما ما قلت «٥» ولا بتّ ولا اتكأت إلّا والكتاب موضوع على صدري.
وقال ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم- وبئس الشيء النوم الفاضل عن الحاجة- قال: فإذا اعتراني ذلك تناولت كتابا من كتب الحكم، فأجد اهتزازي للفوائد، والأريحيّة التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة، والذي يغشى قلبي من سرور الاستبانة وعزّ التبيين أشدّ إيقاظا من نهيق الحمير وهدّة الهدم.
وقال ابن الجهم: إذا استحسنت الكتاب واستجدته، ورجوت منه الفائدة ورأيت ذلك فيه- فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظر كم بقي من ورقه مخافة استنفاده، وانقطاع المادّة من قلبه، وإن كان المصحف عظيم الحجم كثير الورق، كثير العدد- فقد تمّ عيشي وكمل سروري.
وذكر العتبي كتابا لبعض القدماء فقال: لولا طوله وكثرة ورقه لنسخته. فقال