للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّه ليرى الحمام وهو يشرب الماء! وهو ريّان فيشتهي أن يكرع في ذلك الماء معه.

٦٣٧-[صدق رغبة الحمام في النّسل]

[١] والدّيك والكلب في طلب السّفاد وفي طلب الذّرء كما قال أبو الأخزر الحمّانيّ: [من السريع]

لا مبتغي الضّنء ولا بالعازل

والحمام أكثر معانيه الذّرء وطلب الولد. فإذا علم الذّكر أنّه قد أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد تقدّما في إعداد العشّ، ونقل القصب وشقق الخوص، وأشباه ذلك من العيدان الخوّارة الدّقاق حتى يعملا أفحوصة وينسجاها نسجا مداخلا، وفي الموضع الذي قد رضياه اتخذاه واصطنعاه، بقدر جثمان الحمامة، ثمّ أشخصا لتلك الأفحوصة حروفا غير مرتفعة؛ لتحفط البيض وتمنعه من التّدحرج، ولتلزم كنفي الجؤجؤ ولتكون رفدا لصاحب الحضن، وسدا للبيض، ثمّ يتعاوران ذلك المكان ويتعاقبان ذلك القرموص وتلك الأفحوصة، يسخّنانها ويدفّيانها ويطيّبانها، وينفيان عنها طباعها الأوّل، ويحدثان لها طبيعة أخرى مشتقّة من طبائعهما، ومستخرجة من رائحة أبدانهما وقواهما الفاصلة منهما؛ لكي تقع البيضة إذا وقعت، في موضع أشبه المواضع طباعا بأرحام الحمام، مع الحضانة والوثارة؛ لكي لا تنكسر البيضة بيبس الموضع، ولئلا ينكر طباعها طباع المكان، وليكون على مقدار من البرد والسّخانة والرّخاوة والصّلابة. ثمّ إن ضربها المخاض وطرّقت [٢] ببيضتها، بدرت إلى الموضع الذي قد أعدّته، وتحاملت إلى المكان الذي اتّخذته وصنعته، إلّا أن يقرّعها رعد قاصف، أو ريح عاصف فإنّها ربّما رمت بها دون كنّها وظل عشها، وبغير موضعها الذي اختارته. والرّعد ربما مرق [٣] عنده البيض وفسد، كالمرأة التي تسقط من الفزع، ويموت جنينها من الرّوع.

٦٣٨-[عناية الحمام بالبيض]

وإذا وضعت البيض في ذلك المكان فلا يزالان يتعاقبان الحضن ويتعاورانه، حتّى إذا بلغ ذلك البيض مداه وانتهت أيّامه، وتمّ ميقاته الذي وظّفه خالقه، ودبّره


[١] نهاية الأرب ١٠/٢٧١.
[٢] طرّقت: حان خروج بيضها «القاموس: طرق» .
[٣] مرقت البيضة: فسدت فصارت ماء «القاموس: مرق» .

<<  <  ج: ص:  >  >>