وما أنا بالدّاري أحاديث سرّها ... ولا عالم من أيّ حوك ثيابها
وإنّ قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
وقال حاتم الطائي، وهو حاتم بن عبد الله، ويكنى أبا سفّانة، وكان أسره ثوب ابن شحمة العنبريّ مجير الطير: [من الطويل]
إذا ما بخيل النّاس هرّت كلابه ... وشقّ على الضّيف الغريب عقورها «١»
فإنّي جبان الكلب بيتي موطّأ ... جواد إذا ما النّفس شحّ ضميرها
ولكن كلابي قد أقرّت وعوّدت ... قليل على من يعتريها هريرها
٢٦٨-[هجو الناس بهجو كلابهم]
وقال صاحب الكلب: إنّ كثيرا من هجاء الكلب، ليس يراد به الكلب، وإنّما يراد به هجاء رجل، فيجعل الكلب وصلة في الكلام ليبلغ ما يريد من شتمه. وهذا أيضا مما يرتفق الناس به من أسباب الكلاب. ولذلك قال الشاعر: [من الكامل]
من دون سيبك لون ليل مظلم ... وحفيف نافجة وكلب موسد «٢»
وأخوك محتمل عليك ضغينة ... ومسيف قومك لائم لا يحمد
والضّيف عندك مثل أسود سالخ ... لا بل أحبّهما إليك الأسود
فهذا قول الشاعر. وقال الآخر: [من الوافر]
وما يك فيّ من عيب فإنّي ... جبان الكلب مهزول الفصيل
فهو لم يرد مدح الكلب بالجبن، وإنّما أراد نفسه حين قال: [من الكامل]
وحفيف نافجة وكلب موسد
فإن كان الكلب إنما أسره أهله، فإنّما اللوم على من أسره. وإنما هذا الضّرب كقوله: [من البسيط]
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم بولي على النّار «٣»