قال: وباب آخر من لؤمه: القسوة، وهي ألأم اللّؤم؛ وذلك أن الذّكر ربّما كان في البيت طائر ذكر قد اشتدّ ضعفه، فينقر رأسه والآخر مستخذ له، قد أمكنه من رأسه خاضعا له، شديد الاستسلام لأمره، فلا هو يرحمه لضعفه وعجزه عنه، ولا هو يرحمه لخضوعه، ولا هو يملّ وليس له عنده وتر. ثمّ ينقر يافوخه حتى ينقب عنه، ثمّ لا يزال ينقر ذلك المكان بعد النّقب حتى يخرج دماغه فيموت بين يديه.
فلو كان ممّا يأكل اللّحم واشتهى الدماغ كان ذلك له عذرا؛ إذ لم يعد ما طبع الله عليه سباع الطير.
فإذا رأينا من بعض بهائم الطير من القسوة ما لا نرى من سباع الطير لم يكن لنا إلّا أن نقضي عليه من اللؤم على حسب مباينته لشكل البهيمة، ويزيد في ذلك على ما في جوارح الطير من السّبعية.
٧١٨-[أقوال لصاحب الديك في الحمام]
وقال صاحب الديك:
زعم أبو الأصبغ بن ربعيّ قال: كان روح أبو همام صاحب المعمّى، عند مثنّى ابن زهير، فبينما هو يوما وهو معه في السطح إذ جاء جماعة فصعدوا. فلم يلبث أن جاء آخرون، ثمّ لم يلبث أن جاء مثلهم، فأقبل عليهم فقال: أيّ شيء جاء بكم؟ وما الذي جمعكم اليوم؟ قالوا: هذا اليوم الذي يرجع فيه مزاجيل الحمام من الغاية. قال:
ثمّ ماذا؟ قالوا: ثمّ نتمتّع بالنّظر إليها إذا أقبلت. قال: لكنّني أتمتّع بتغميض العين إذا أقبلت، وترك النّظر إليها!! ثمّ نزل وجلس وحده.
٧١٩-[التلهّي بالحمام]
وقال مثنّى بن زهير ذات يوم: ما تلهّى النّاس بشيء مثل الحمام، ولا وجدنا شيئا مما يتخذه النّاس ويلعب به ويلهى به، يخرج من أبواب الهزل إلى أبواب الجدّ- كالحمام- وأبو إسحاق حاضر- فغاظه ذلك، وكظم على غيظه. فلمّا رأى مثنّى سكوته عن الردّ عليه طمع فيه فقال: يبلغ والله من كرم الحمام ووفائه، وثبات عهده، وحنينه إلى أهله، أنّي ربّما قصصت الطّائر وبعد أن طار عندي دهرا، فمتى نبت جناحه كنباته الأوّل، لم يدعه سوء صنعي إليه إلى الذّهاب عنّي. ولربّما بعته