للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلسفة، وكتب مقاييس وسنن وتبيّن وتبيين، أو لو كانت كتبهم كتبا تعرّف الناس أبواب الصّناعات، أو سبل التكسّب والتجارات، أو كتب ارتفاقات ورياضات، أو بعض ما يتعاطاه الناس من الفطن والآداب- وإن كان ذلك لا يقرّب من غنى ولا يبعد من مأثم- لكانوا ممّن قد يجوز أن يظنّ بهم تعظيم البيان، والرغبة في التبيّن، ولكنّهم ذهبوا فيها مذهب الدّيانة، وعلى طريق تعظيم الملّة، فإنّما إنفاقهم في ذلك، كإنفاق المجوس على بيت النار، وكإنفاق النصارى على صلبان الذهب، أو كإنفاق الهند على سدنة البددة «١» . ولو كانوا أرادوا العلم لكان العلم لهم معرضا، وكتب الحكمة لهم مبذولة، والطرق إليها سهلة معروفة. فما بالهم لا يصنعون ذلك إلّا بكتب دياناتهم، كما يزخرف النصارى بيوت عباداتهم! ولو كان هذا المعنى مستحسنا عند المسلمين، أو كانوا يرون أنّ ذلك داعية إلى العبادة، وباعثة على الخشوع، لبلغوا في ذلك بعفوهم، ما لا تبلغه النصارى بغاية الجهد.

٣٠-[مسجد دمشق]

وقد رأيت مسجد دمشق، حين استجاز هذا السبيل ملك من ملوكها، ومن رآه فقد علم أنّ أحدا لا يرومه، وأنّ الروم لا تسخوا أنفسهم به، فلمّا قام عمر بن عبد العزيز، جلّله بالجلال، وغطّاه بالكرابيس «٢» ، وطبخ سلاسل القناديل حتّى ذهب عنها ذلك التلألؤ والبريق؛ وذهب إلى أنّ ذلك الصنيع مجانب لسنّة الإسلام، وأنّ ذلك الحسن الرائع والمحاسن الدّقاق، مذهلة للقلوب، ومشغلة دون الخشوع، وأنّ البال لا يكون مجتمعا وهناك شيء يفرّقه ويعترض عليه.

٣١-[مضمون كتب الزنادقة]

والذي يدلّ على ما قلنا، أنّه ليس في كتبهم مثل سائر، ولا خبر طريف، ولا صنعة أدب، ولا حكمة غريبة، ولا فلسفة، ولا مسألة كلاميّة، ولا تعريف صناعة، ولا استخراج آلة، ولا تعليم فلاحة، ولا تدبير حرب، ولا مقارعة عن دين، ولا مناضلة عن نحلة، وجلّ ما فيها ذكر النور والظلمة، وتناكح الشياطين، وتسافد العفاريت، وذكر الصنديد، والتهويل بعمود السنخ، والإخبار عن شقلون، وعن الهامة والهمامة. وكلّه هذر وعيّ وخرافة، وسخرية وتكذّب، لا ترى فيه موعظة حسنة، ولا حديثا مونقا،

<<  <  ج: ص:  >  >>