للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٨٣-[أصحاب القول بالاستحالة]

وليس يقيس القول في الأعراض إلا من قال بالاستحالة. وليس في الاستحالة شيء أقبح من قولهم في استحالة الجبل الصّخير [١] إلى مقدار خردلة، من غير أن يدخل أجزاءه شيء على حال. فهو على قول من زعم أنّ الخردلة تتنصّف أبدا أحسن. فأما إذا قال بالجزء الذي لا يتجزأ، وزعم أن أقل الأجسام، الذي تركيبه من ثمانية أجزاء لا تتجزأ، أو ستة أجزاء لا تتجزأ، يستحيل جسما على قدر طول العالم وعرضه وعمقه- فإنّا لو وجدناه كذلك لن نجد بدّا من أن نقول: إنا لو رفعنا من أوهامنا من ذلك شبرا من الجميع، فإن كان مقدار ذلك الشبر جزءا واحدا فقد وجدناه جسما أقلّ من ثمانية أجزاء ومن ستة أجزاء. وهذا نقض الأصل. مع أنّ الشبر الذي رفعناه من أوهامنا، فلا بدّ إن كان جسما أن يكون من ستة أجزاء أو من ثمانية أجزاء. وهذا كله فاسد.

١٢٨٤-[الأضواء والألوان]

والنار حرّ وضياء، ولكلّ ضياء بياض ونور، وليس لكلّ بياض نور وضياء. وقد غلط في هذا المقام عالم من المتكلمين.

والضياء ليس بلون، لأن الألوان تتفاسد، وذلك شائع في كلها، وعامّ في جميعها؛ فاللبن والحبر يتفاسدان، ويتمازج التراب اليابس والماء السائل، كما يتمازج الحارّ والبارد، والحلو والحامض. فصنيع البياض في السواد، كصنيع السواد في البياض. والتفاسد الذي يقع بين الخضرة والحمرة، فبذلك الوزن يقع بين البياض وجميع الألوان.

وقد رأينا أن البياض ميّاع [٢] مفسد لسائر الألوان. فأنت قد ترى الضياء على خلاف ذلك؛ لأنه إذا سقط على الألوان المختلفة كان عمله فيها عملا واحدا، وهو التفصيل بين أجناسها، وتمييز بعضها من بعض، فيبين عن جميعها إبانة واحدة، ولا تراه يخصّ البياض إلا بما يخص بمثله السواد، ولا يعمل في الخضرة إلا مثل عمله في الحمرة، فدلّ ذلك على أن جنسه خلاف أجناس الألوان، وجوهره خلاف جواهرها، وإنما يدل على اختلاف الجواهر اختلاف الأعمال؛ فباختلاف الأعمال واتفاقها تعرف اختلاف الأجسام واتفاقها.


[١] الصخير: الكثير الصخر.
[٢] مياع: سيّال.

<<  <  ج: ص:  >  >>