للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابدّ من مقدار للحرارة ونحو غرائز أخر، وخاصّيّات أخر، ألا ترى أنّ القدور التي يوقد تحتها الأيّام واللّيالي، لا تذوب.

١١٦٦-[القول في الخاصّيّات والمقابلات والغرائز]

وسأدلك على أنّ القول في الخاصّيّات والمقابلات والغرائز حقّ. ألا ترى أنّ جوف الكلب والذّيب يذيبان العظام ولا يذيبان نوى التمر، ونوى التمر أرخى وألين وأضعف من العظام المصمتة. وما أكثر ما يهضم العظم. وقد يهضم العظم جوف الأسد وجوف الحيّة. إذا ازدردت بضع اللحم بالشّره والنّهم، وفيها بعض العظام.

والبراذين التي يحيل أجوافها القتّ والتّبن روثا، لا تستمري الشعير.

والإبل تقبض بأسنانها على أغصان أمّ غيلان، وله شوك كصياصي [١] البقر، والقضبان علكة [٢] يابسة جرد، وصلاب متينة، فتستمرئها وتجعلها ثلطا [٣] ، ولا تقوى على هضم الشّعير المنقع، وليس ذلك إلّا بالخصائص والمقابلات.

وقد قدّر كلّ شيء لشيء. ولولا ذلك لما نفذ خرطوم البعوضة والجرجسة في جلد الفيل والجاموس، ولما رأيت الجاموس يهرب إلى الانغماس في الماء مرّة، ومرّة يتلطّخ بالطّين، ومرّة يجعله أهله على ربيث الدكان. ولو دفعوا إليك مسلّة شديدة المتن، لما أدخلتها في جلد الجاموس إلّا بعد التكلّف، وإلّا ببعض الاعتماد.

والذي سخّر جلد الجاموس حتّى انفرى وانصدع لطعنة البعوضة، وسخّر جلد الحمار لطعنة الذّباب، وسخّر الحجارة لجوف الظليم، والعظم لجوف الكلب- هو الذي سخّر الصّخر الصّلب لأذناب الجراد، إذا أرادت أن تلقي بيضها؛ فإنّها في تلك الحال متى عقدت ذنبها في ضاحي صخرة انصدعت لها. ولو كان انصداعها من جهة الأسر [٤] ، ومن قوّة الآلة، ومن الصّدم وقوّة الغمز، لا نصدعت لما هو في الحسّ أشدّ وأقوى، ولكنّه على جهة التّسخير، والمقابلات، والخصائص.

وكذلك عود الحلفاء، مع دقّته ورخاوته ولين انعطافه، إذا نبت في عمق الأرض، وتلقّاه الآجرّ والخزف الغليظ، ثقب ذلك، عند نباته وشبابه، وهو في ذلك عبقر نضير.

وزعم لي ناس من أهل الأردنّ، أنّهم وجدوا الحلفاء قد خرق جوف القار [٥] .


[١] صياصي البقر: قرونها.
[٢] علكة: شديدة.
[٣] الثلط: الروث.
[٤] من جهة الأسر: من جهة القوة.
[٥] القار: الزفت.

<<  <  ج: ص:  >  >>