فزعم كما ترى أنّ الصّخور كانت ليّنة، وأنّ الأشجار: الطلح والسّيال كانت خضيدا لا شوك عليها.
وزعم بعض المفسّرين وأصحاب الأخبار، أنّ الشّوك إنما اعتراها في صبيحة اليوم الذي زعمت النّصارى فيه أنّ المسيح ابن الله.
وكان مقاتل يقول- حدّثنا بذلك عنه أبو عقيل السّواق، وكما أحد رواته والحاملين عنه- إنّ الصّخور كانت ليّنة، وإنّ قدم إبراهيم عليه السلام أثرت في تلك الصخرة، كتأثير أقدام الناس في ذلك الزّمان. إلّا أنّ الله تعالى توفّى تلك الآثار، وعفّى عليها، ومسحها ومحاها، وترك أثر مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم. والحجّة إنما هي في إفراده بذلك ومحو ما سواه من آثار أقدام الناس. ليس أنّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان وطئ على صخرة خلقاء يابسة فأثّر فيها.
١١٠٨-[فضل المتكلمين والمعتزلة]
وأنا أقول على تثبيت ذلك بالحجة. ونعوذ بالله من الهذر والتكلف وانتحال ما لا أقوم به. أقول: إنّه لولا مكان المتكلمين لهلكت العوامّ من جميع الأمم، ولولا مكان المعتزلة لهلكت العوامّ من جميع النّحل. فإن لم أقل، ولولا أصحاب إبراهيم وإبراهيم لهلكت العوامّ من المعتزلة، فإني أقول: إنه قد أنهج لهم سبلا، وفتق لهم أمورا، واختصر لهم أبوابا ظهرت فيها المنفعة، وشملتهم بها النعمة.
١١٠٩-[ما يحتاج إليه الناس]
وأنا أزعم أن الناس يحتاجون بديّا إلى طبيعة ثم إلى معرفة، ثم إلى إنصاف.
وأوّل ما ينبغي أن يبتدئ به صاحب الإنصاف أمره ألّا يعطى نفسه فوق حقها، وألّا يضعها دون مكانها، وأن يتحفظ من شيئين؛ فإن نجاته لا تتمّ إلّا بالتحفظ منهما:
أحدهما تهمة الإلف، والآخر تهمة السّابق إلى القلب- والله الموفق.
١١١٠-[معاناة الجاحظ في تأليف هذا الكتاب]
وما أكثر ما يعرض في وقت إكبابي على هذا الكتاب، وإطالتي الكلام، وإطنابي في القول، بيت ابن هرمة، حيث يقول [١] : [من البسيط]
إنّ الحديث تغر القوم خلوته ... حتى يلجّ بهم عيّ وإكثار