للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو عمل الحرارات [١] إذا كانت في أجواف الحطب، أو في أجواف الأرضين، أو في أجواف الحيوان.

والحر إذا صار في البدن، فإنما هو شيء مكره، والمكره لا يألو يتخلص وهو لا يتخلص إلا وقد حمل معه كلّ ما قوي عليه، مما لم يشتد، فمتى خرج خرج معه ذلك الشيء.

قال: فمن ههنا غلط القوم.

١٢٧٨-[قول الدّهرية في أركان العالم]

قال أبو إسحاق: قالت الدهرية في عالمنا هذا بأقاويل: فمنهم من زعم أن عالمنا هذا من أربعة أركان: حرّ، وبرد، ويبس، وبلّة [٢] . وسائر الأشياء نتائج، وتركيب، وتوليد. وجعلوا هذه الأربعة أجساما.

ومنهم من زعم أن هذا العالم من أربعة أركان: من أرض، وهواء، وماء، ونار.

وجعلوا الحر، والبرد، واليبس، والبلّة أعراضا في هذه الجواهر. ثم قالوا في سائر الأراييح، والألوان، والأصوات: ثمار هذه الأربعة [٣] ، على قدر الأخلاط، في القلة والكثرة، والرقة والكثافة.

فقدّموا ذكر نصيب حاسّة اللمس فقط، وأضربوا عن أنصباء الحواسّ الأربع.

قالوا: ونحن نجد الطّعوم غاذية وقاتلة، وكذلك الأراييح [٤] . ونجد الأصوات ملذة ومؤلمة، وهي مع ذلك قاتلة وناقصة للقوى متلفة. ونجد للألوان في المضار والمنافع، واللّذاذة والألم، المواقع التي لا تجهل، كما وجدنا مثل ذلك في الحر والبر، واليبس والبلّة، ونحن لم نجد الأرض باردة يابسة، غير أنا نجدها مالحة، أي ذات مذاقة ولون كما وجدناها ذات رائحة، وذات صوت متى قرع بعضها بعضا.

فبرد هذه الأجرام وحرها، ويبسها ورطوبتها، لم تكن فيها لعلة كون الطّعوم والأراييح والألوان فيها. وكذلك طعومها، وأراييحها وألوانها، لم تكن فيها لمكان كمون البرد، واليبس، والحر، والبلّة فيها.


[١] الحرارت: جمع حرارة.
[٢] البلّة: البلل.
[٣] أي: الحر والبر؛ واليبس والبلة.
[٤] الأراييح: جمع للريح، وهو الرائحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>