وقال القوم: لولا ما عرّفوكم من أبواب الحملانات «١» لم تعرفوا صنعة الشبه، ولولا غضار الصين على وجه الأرض لم تعرفوا الغضار، على أنّ الذي عملتم ظاهر فيه التوليد، منقوص المنفعة عن تمام الصّينيّ. وعلى أن الشّبه لم تستخرجوه، وإنّما ذلك من الأمور التي وقعت اتّفاقا، لسقوط الناطف «٢» من يد الأجير في الصّفر الذائب، فخفتم إفساده، فلمّا رأيتم ما أعطاه من اللون عملتم في الزيادة والنقصان، وكذلك جميع ما تهيّأ لكم، ولستم تخرجون في ذلك من أحد أمرين: إمّا أن تكونوا استعملتم الاشتقاق من علم ما أورثوكم، وإمّا أن يكون ذلك تهيّأ لكم من طريق الاتّفاق!!
٤٩-[الجمازات]
وقد علمتم أنّ أوّل شأن الجمّازات، أنّ أمّ جعفر أمرت الرحّالين أن يزيدوا في سير النجيبة التي كانت عليها، وخافت فوت الرشيد، فلما حرّكت مشت ضروبا من المشي، وصنوفا من السير، فجمزت في خلال ذلك، ووافقت امرأة تحسن الاختيار، وتفهم الأمور، فوجدت لذلك الجمز راحة، ومع الراحة لذّة، فأمرتهم أن يسيروا بها في تلك السّيرة، فما زالوا يقرّبون ويبعّدون، ويخطئون ويصيبون، وهي في كلّ ذلك تصوّبهم وتخطئهم على قدر ما عرفت، حتى شدوا من معرفة ذلك ما شدوا، ثمّ إنّها فرّغتهم لإتمام ذلك حتى تمّ واستوى. وكذلك لا يخلو جميع أمركم، من أن يكون اتّفاقا، أو اتّباع أثر.
٥٠-[الترغيب في اصطناع الكتاب]
ثم رجع بنا القول إلى الترغيب في اصطناع الكتاب، والاحتجاج على من زرى على واضع الكتب، فأقول «٣» : إنّ من شكر النعمة في معرفة مغاوي الناس ومراشدهم، ومضارّهم ومنافعهم، أن يحتمل ثقل مؤونتهم في تقويمهم، وأن يتوخّى إرشادهم وإن جهلوا فضل ما يسدى إليهم، فلن يصان العلم بمثل بذله، ولن تستبقى النعمة فيه بمثل نشره، على أنّ قراءة الكتب أبلغ في إرشادهم من تلاقيهم؛ إذ كان مع التّلاقي يشتدّ التصنّع، ويكثر التظالم، وتفرط العصبيّة، وتقوى الحميّة، وعند المواجهة والمقابلة، يشتدّ حبّ الغلبة، وشهوة المباهاة والرياسة، مع الاستحياء من