للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يقول: من الدليل على أن النار كامنة في الحطب، أن الحطب يحرق بمقدار من الإحراق، ويمنع الحطب أن يخرج جميع ما فيه من النيران، فيجعل فحما، فمتى أحببت أن تستخرج الباقي من النار استخرجته، فترى النار عند ذلك يكون لها لهب دون الضرام. فمتى أخرجت تلك النار الباقية، ثم أوقدت عليها ألف عام لم تستوقد. وتأويل: «لم تستوقد» إنما هو ظهور النار التي كانت فيه. فإذا لم يكن فيه شيء فكيف يستوقد؟.

وكان يكثر التعجّب من ناس كانوا ينافسون في الرّآسة، إذا رآهم يجهلون جهل صغار العلماء، وقد ارتفعوا في أنفسهم إلى مرتبة كبار العلماء.

وذلك أن بعضهم كان يأخذ العود فينقيه [١] فيقول: أين تلك النار الكامنة؟! ما لي لا أراها، وقد ميّزت العود قشرا بعد قشر؟!.

١٢٨١-[استخراج الأشياء الكامنة]

فكان يقول في الأشياء الكامنة: إن لكل نوع منها نوعا من الاستخراج، وضربا من العلاج. فالعيدان تخرج نيرانها بالاحتكاك، واللبن يخرج زبده بالمخض، وجبنه يجمع بإنفحّة [٢] ، وبضروب من علاجه.

ولو أن إنسانا أراد أن يخرج القطران من الصّنوبر، والزّفت من الأرز [٣] ؛ لم يكن يخرج له بأن يقطع العود ويدقّه ويقشره، بل يوقد له نارا بقربه، فإذا أصابه الحرّ عرق وسال، في ضروب من العلاج.

ولو أن إنسانا مزج بين الفضة والذهب، وسبكهما سبيكة واحدة، ثم أراد أن يعزل أحدهما من صاحبه لم يمكنه ذلك بالفرض [٤] والدّق. وسبيل التفريق بينهما قريبة سهلة عند الصّاغة، وأرباب الحملانات [٥] .

١٢٨٢-[رد النظام على أرسطاطاليس]

وزعم أبو إسحاق أن أرسطاطاليس كان يزعم أن الماء الممازج للأرض لم


[١] ينقيه: يستخرج نقيّه، وأصل النقي: مخ العظام.
[٢] الإنفحة: شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع، أصفر، يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ.
[٣] الزفت: ما يسيل من شجر الصنوبر، والأرز: شجر الصنوبر.
[٤] الفرض: القطع والحز.
[٥] ورد في القاموس المحيط: «وفي اصطلاح الصاغة ما يحمل على الدراهم من الغش» .

<<  <  ج: ص:  >  >>