للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم في المثل: «كل مجر في الخلاء يسرّ» [١] .

وأنا أعوذ بالله أن أغرّ من نفسي، عند غيبة خصمي، وتصفح العلماء لكلامي، فإني أعلم أن فتنة اللسان والقلم، أشدّ من فتنة النساء، والحرص على المال.

وقد صادف هذا الكتاب مني حالات تمنع من بلوغ الإرادة فيه، أوّل ذلك العلة الشديدة، والثانية قلة الأعوان، والثالثة طول الكتاب، والرابعة أني لو تكلفت كتابا في طوله، وعدد ألفاظه ومعانيه، ثمّ كان من كتب العرض والجوهر، والطّفرة، والتولد، والمداخلة، والغرائز، والتماس- لكان أسهل وأقصر أياما، وأسرع فراغا؛ لأني كنت لا أفزع فيه إلى تلقّط الأشعار، وتتبّع الأمثال، واستخراج الآي من القرآن، والحجج من الرّواية، مع تفرّق هذه الأمور في الكتب، وتباعد ما بين الأشكال. فإن وجدت فيه خللا من اضطراب لفظ، ومن سوء تأليف، أو من تقطيع نظام، ومن وقوع الشيء في غير موضعه- فلا تنكر، بعد أن صوّرت عندك حالي التي ابتدأت عليها كتابي.

ولولا ما أرجو من عون الله على إتمامه؛ إذ كنت لم ألتمس به إلّا إفهامك مواقع الحجج لله، وتصاريف تدبيره، والذي أودع أصناف خلقه من أصناف حكمته- لما تعرّضت لهذا المكروه.

فإن نظرت في هذا الكتاب فانظر فيه نظر من يلتمس لصاحبه المخارج، ولا يذهب مذهب التعنّت، ومذهب من إذا رأى خيرا كتمه، وإذا رأى شرّا أذاعه.

وليعلم من فعل ذلك أنّه قد تعرّض لباب إن أخذ بمثله، وتعرّض له في قوله وكتبه، أن ليس ذلك إلّا من سبيل العقوبة، والأخذ منه بالظلامة. فلينظر فيه على مثال ما أدّب الله به، وعرّف كيف يكون النظر والتفكير والاعتبار والتعليم؛ فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ

[٢] .

١١١١-[الحكمة في الأشياء الصغيرة]

فينبغي أن تكون إذا مررت بذكر الآية والأعجوبة، في الفراشة والجرجسة، ألّا تحقر تلك الآية، وتصغّر تلك الأعجوبة؛ لصغر قدرهما عندك، ولقلّة معرفتهما عند


[١] مجمع الأمثال ٢/١٣٥، ١٤٥، وفصل المقال ٢٠٣، وأمثال ابن سلام ١٣٦، والمستقصى ٢/٢٢٩.
[٢] ٦٣، ٩٣/البقرة: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>