للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسقط ذباب من تلك الذّبّان على أنفي، فطردته، فتحولّ إلى عيني فطردته، فعاد إلى موق عيني، فزدت في تحريك يديّ فتنحّى عني بقدر شدّة حركتي وذبّي عن عيني- ولذبّان الكلإ والغياض والرّياض وقع ليس لغيرها- ثمّ عاد إليّ فعدت عليه ثمّ عاد إليّ فعدت بأشدّ من ذلك، فلما عاد استعملت كمّي فذببت به عن وجهي، ثمّ عاد، وأنا في ذلك أحثّ السّير، أؤمّل بسرعتي انقطاعه عنّي فلما عاد نزعت طيلساني [١] من عنقي فذببت به عنّي بدل كمّي؛ فلما عاود ولم أجد له حيلة استعملت العدو، فعدوت منه شوطا تامّا لم أتكلف مثله مذ كنت صبيّا، فتلقّاني الأندلسيّ فقال لي:

ما لك يا أبا عثمان! هل من حادثة؟ قلت: نعم أكبر الحوادث، أريد أن أخرج من موضع للذّبّان عليّ فيه سلطان! فضحك حتى جلس. وانقطع عني، وما صدّقت بانقطاعه عنّي حتّى تباعد جدّا.

٧٩٦-[ذبّان العساكر]

والعساكر أبدا كثيرة الذّبّان. فإذا ارتحلوا لم ير المقيم بعد الظّاعن منها إلا اليسير.

وزعم بعض النّاس أنّهنّ يتبعن العساكر، ويسقطن على المتاع، وعلى جلال الدّواب، وأعجاز البراذين التي عليها أسبابها حتى تؤدّي إلى المنزل الآخر.

وقال المكّيّ: يتبعوننا ليؤذونا، ثمّ لا يركبون إلّا أعناقنا ودوابّنا!

٧٩٧-[تخلّق الذّباب]

ويقول بعضهم: بل إنما يتخلّق من تلك العفونات والأبخرة والأنفاس، فإذا ذهبت فنيت مع ذهابها، ويزعمون أنّهم يعرفون ذلك بكثرتها في الجنائب، وبقلّتها في الشمائل.

قالوا: وربّما سددنا فم الآنية التي فيها الشّراب بالصّمامة، فإذا نزعناها وجدنا هناك ذبابا صغارا.

وقال ذو الرّمّة [٣] : [من الطويل]

وأيقنّ أنّ القنع صارت نطافه ... فراشا وأنّ البقل ذاو ويابس


[١] الطيلسان: ضرب من الأكسية، أصله فارسي «اللسان: طلس» .
[٢] انظر الفقرة (٨٠٣) .
[٣] ديوان ذي الرمة ١١٢١، واللسان (فرش، قنع، ذوي) ، والتاج (فرش، قنع) ، والعين ١/١٧١، والتهذيب ١/٢٥٨، ١١/٣٤٦، ١٥/٤٣٨، وديوان الأدب ١/١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>