وإذا كان الرجل أبرع الناس براعة، وأظهرهم فضلا، وأجمعهم لخصال الشرف، ثمّ كانت كلّ خصلة مساوية لأختها في التّمام، ولم تغلب عليه خصلة واحدة، فإنّ هذا الرّجل لا يكاد يوصف إلّا بالسيادة والرياسة خاصّة إذا لم يكن له مسند عما يكون هو الغالب عليه.
وقالوا فيما يشبه ما ذكرنا، وإن لم يكن هو بعينه، قال الشاعر:[من البسيط]
من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم ... مثل النّجوم التي يسري بها الساري
وقد قال مثل الذي وصفنا جعفر الضبّيّ في الفضل بن سهل: أيّها الأمير أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السّؤدد، وحيّرني فيها كثرة عددها، فليس إلى ذكر جميعها سبيل، وإن أردت وصف واحدة اعترضت أختها، إذ لم تكن الأولى أحقّ بالذكر. ولست أصفها إلّا بإظهار العجز عن وصفها.
ولذلك قالوا:«أحلم من الأحنف»«٢» ، و «ما هو إلّا في حلم معاوية» و «أحلم من قيس بن عاصم»«٣» ، ولم يقولوا: أحلم من عبد المطّلب، ولا هو أحلم من هاشم، لأنّ الحلم خصلة من خصاله كتمام حلمه، فلمّا كانت خصاله متساوية، وخلاله مشرفة متوازية، وكلّها كان غالبا ظاهرا، وقاهرا غامرا، سمّي بأجمع الأشياء ولم يسمّ بالخصلة الواحدة، فيستدلّ بذلك على أنّها كانت أغلب خصال الخير عليه.
٣٠٩-[هجاء السفهاء للأشراف]
وإذا بلغ السّيد في السّؤدد الكمال، حسده من الأشراف من يظنّ أنّه الأحقّ به، وفخرت به عشيرته، فلا يزال سفيه من شعراء تلك القبائل قد غاظه ارتفاعه على مرتبة سيّد عشيرته فهجاه. ومن طلب عيبا وجده. فإن لم يجد عيبا وجد بعض ما إذا ذكره، وجد من يغلط فيه ويحمله عنه. ولذلك هجي حصن بن حذيفة، وهجي زرارة ابن عدس، وهجي عبد الله بن جدعان، وهجي حاجب بن زرارة.