للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعموا أنّه ليس لقوله: «كان يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة» [١] معنى. وقالوا:

إن كان ليس لقول القائل: يا هالك، وأنت باغ، وجه ولا تحقيق، فكذلك إذا قال: يا واجد، ليس له تحقيق، وليس قوله يا مضلّ ويا مهلك، أحقّ بأن يكون لا يوجب ضلالا ولا هلاكا من قوله يا واجد، ويا ظافر، من ألّا يكون يوجب ظفرا ولا وجودا.

فإمّا أنّ يكونا جميعا يوجبان، وإما أن يكونا جميعا لا يوجبان. قيل لهم: ليس التأويل ما إليه ذهبتم. لو أن النّاس أمّلوا فائدة الله عزّ وجلّ ورجوا عائدته، عند كلّ سبب ضعيف وقويّ، لكانوا على خير. ولو غلطوا في جهة الرّجاء لكان لهم بنفس ذلك الرّجاء خير. ولو أنهم بدل ذلك قطعوا أملهم ورجاءهم من الله تعالى، لكان ذلك من الشرّ والفأل، أن يسمع كلمة في نفسها مستحسنة. ثمّ إن أحبّ بعد ذلك أو عند ذلك أنّ يحدث طمعا فيما عند الله تعالى، كان نفس الطمع خلاف اليأس.

وإنما خبّر أنّه كان يعجبه. وهذا إخبار عن الفطرة كيف هي، وعن الطبيعة إلى أيّ شيء تتقلب.

وقد قيل لبعض الفقهاء [٢] : ما الفأل؟ قال: أن تسمع وأنت مضلّ: يا واجد، وأنت خائف: يا سالم. ولم يقل إنّ الفأل يوجب لنفسه السلامة. ولكنّهم يحبّون له إخراج اليأس وسوء الظن وتوقّع البلاء من قلبه على كل حال- وحال الطيرة حال من تلك الحالات- ويحبون أن يكون لله راجيا، وأن يكون حسن الظن. فإن ظنّ أن ذلك المرجوّ يوافق بتلك الكلمة ففرح بذلك فلا بأس.

٨٧٥-[تطير بعض البصريين]

وقال الأصمعيّ [٣] : هرب بعض البصريين من بعض الطّواعين، فركب ومضى بأهله نحو سفوان، فسمع غلاما له أسود يحدو خلفه، وهو يقول: [من الرجز]

لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي ميعة مطّار [٤]

أو يأتي الحين على مقدار ... قد يصبح الله أمام السّاري

فلما سمع ذلك رجع بهم.


[١] في النهاية ٣/٤٠٥ (أنه كان يتفاءل ولا يتطير) .
[٢] هو ابن عون، كما في عيون الأخبار ١/١٤٦.
[٣] الخبر مع الشعر في زهر الآداب ١٠٦٦، والبيان ٣/٢٧٨، وعيون الأخبار ١/١٤٤، ومحاضرات الأدباء ٢/٢٢٥. وأمالي المرتضى ٤/١١٢.
[٤] المطار: السريع الجري.

<<  <  ج: ص:  >  >>