إلّا كلّ مبرّز في الفطنة ومتمهّل في العزيمة، طويل التجارب، فاضل العقل على قوى الشهوات. وبئس الشيء القرين السوء. وقالوا: صاحب السّوء قطعة من النار.
وباب من هذا الشكل، فبكم أعظم حاجة إلى أن تعرفوه وتقفوا عنده، وهو ما يصنع الخبر السابق إلى السمع، ولا سيّما إذا صادف من السامع قلّة تجربة، فإن قرن بين قلّة التجربة وقلّة التحفّظ، دخل ذلك الخبر السابق إلى مستقرّه دخولا سهلا، وصادف موضعا وطيئا، وطبيعة قابلة، ونفسا ساكنة؛ ومتى صادف القلب كذلك، رسخ رسوخا لا حيلة في إزالته. ومتى ألقي إلى الفتيان شيء من أمور الفتيات، في وقت الغرارة، وعند غلبة الطبيعة، وشباب الشهوة، وقلّة التشاغل؛ وكذلك متى ألقي إلى الفتيان شيء من أمورهن وأمور الغلمان، وهناك سكر الشباب، فكذلك تكون حالهم. وإنّ الشّطّار ليخلو أحدهم بالغلام الغرير فيقول له: لا يكون الغلام فتى أبدا حتّى يصادق فتى وإلّا فهو تكش، والتكش عندهم الذي لم يؤدّبه فتى ولم يخرّجه، فما الماء العذب البارد، بأسرع في طباع العطشان، من كلمته، إذا كان للغلام أدنى هوى في الفتوّة، وأدنى داعية إلى المنالة. وكذلك إذا خلت العجوز المدربة بالجارية الحدثة كيف تخلبها. وأنشدنا:[من الخفيف]
فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجدّ بأصناف اللعب
ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتناهى عند سورات الغضب
وقال الشاعر فيما يشبه وقوع الخبر السابق إلى القلب:[من الكامل]
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلّا للحبيب الأوّل «١»
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأوّل منزل
وقال مجنون بني عامر:[من الطويل]
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكّنا «٢»
١٣٥-[ما يدعو إلى الفساد]
وباب آخر ممّا يدعو إلى الفساد، وهو طول وقوع البصر على الإنسان الذي في طبعه أدنى قابل، وأدنى حركة عند مثله. وطول التداني، وكثرة الرؤية هما أصل