للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما أبو بكر الأصمّ، وهشام بن الحكم، فإنّهما كانا يقولان بالقلب، ويقولان:

إنّه إذا جاز أن يقلب الله خردلة من غير أن يزيد فيها جسما وطولا أو عرضا جاز أن يقلب ابن آدم قردا من غير أن ينقص من جسمه طولا أو عرضا.

وأمّا أبو إسحاق فقد كان- لولا ما صحّ عنده من قول الأنبياء وإجماع المسلمين على أنّه قد كان، وأنّه قد كان حجّة وبرهانا في وقته- لكان لا ينكر مذهبهم في هذا الموضع.

وقوله هذا قول جميع من قال بالطّبائع، ولم يذهب مذهب جهم، وحفص الفرد.

وقال ابن العنسيّ يذكر القرد: [من الطويل]

فهلّا غداة الرّمل يا قرد حذيم ... تؤامرها في نفسها تستشيرها

١٠٠١-[القول في تحريم الخنزير]

قال: وسأل سائلون في تحريم الخنزير عن مسألة؛ فمنهم من أراد الطّعن، ومنهم من أراد الاستفهام، ومنهم من أحبّ أن يعرف ذلك من جهة الفتيا؛ إذ كان قوله خلاف قولنا.

قالوا: إنّما قال الله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ

[١] ، فذكر اللّحم دون الشّحم، ودون الرّأس، ودون المخّ، ودون العصب، ودون سائر أجزائه؛ ولم يذكره كما ذكر الميتة بأسرها، وكذلك الدّم؛ لأنّ القول وقع على جملتهما، فاشتمل على جميع خصالهما بلفظ واحد، وهو العموم. وليس ذلك في الخنزير؛ لأنّه ذكر اللّحم من بين جميع أجزائه وليس بين ذكر اللّحم والعظم فرق، ولا بين اللّحم والشّحم فرق. وقد كان ينبغي في قياسكم هذا لو قال: حرّمت عليكم الميتة والدّم وشحم الخنزير، أن تحرّموا الشحم، وإنّما ذكر اللّحم، فلم حرّمتم الشحم؛ وما بالكم؛ تحرّمون الشّحم عند ذكر غير الشّحم! فهلّا حرّمتم اللّحم بالكتاب، وحرّمتم ما سواه بالخبر الذي لا يدفع!؟ فإن بقيت خصلة أو خصلتان ممّا لم تصيبوا ذكره في كتاب منزّل، وفي أثر لا يدفع، رددتموه إلى جهة العقل.

قلنا: إنّ النّاس عادات، وكلاما يعرّف كل شيء بموضعه، وإنما ذلك على قدر استعمالهم له، وانتفاعهم به.

وقد يقول الرجل لوكيله: اشتر لي بهذا الدّينار لحما، أو بهذه الدراهم، فيأتيه باللّحم فيه الشّحم والعظم، والعرق والعصب والغضروف. والفؤاد والطّحال، والرّئة،


[١] ٣/المائدة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>