حدّثني محمد بن عباد قال: سمعته يقول- وجرى ذكر النساء ومحلّهن من قلوب الرجال، حتّى زعموا أنّ الرجل كلما كان عليهن أحرص كان ذلك أدلّ على تمام الفحولة فيه، وكان أذهب له في الناحية التي هي في خلقته ومعناه وطبعه، إذ كان قد جعل رجلا ولم يجعل امرأة- قال ابن عبّاد، فقال لنا: ألستم تعلمون أنّي قد أربيت على المائة، فينبغي لمن كان كذلك أن يكون وهن الكبر، ونفاذ الذّكر، وموت الشهوة، وانقطاع ينبوع النطفة، قد أمات حنينه إلى النساء وتفكيره في الغزل؟! قال: قلنا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون من عوّد نفسه تركهنّ مددا، وتخلى عنهن سنين ودهرا، أن تكون العادة وتمرين الطبيعة، وتوطين النفس، قد حطّ من ثقل منازعة الشهوة، ودواعي الباءة، وقد علمتم أنّ العادة التي هي الطبيعة الثانية، قد تستحكم ببعض عمد هجر لملامسة النساء. قال: قلنا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون من لم يذق طعم الخلوة بهنّ ولم يجالسهنّ متبذلات، ولم يسمع حديثهنّ وخلابتهنّ للقلوب، واستمالتهن للأهواء، ولم يرهنّ منكشفات عاريات، إذا تقدم له ذلك مع طول التّرك، ألا يكون بقي معه من دواعيهن شيء؟! قال: قلنا: صدقت.
قال: وينبغي أن يكون لمن قد علم أنه محبوب. وأنّ سببه إلى خلاطهنّ محسوم، أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسلوة. وإلى موت الخواطر. قال: قلنا:
صدقت. قال: وينبغي أن يكون من دعاه الزّهد في الدنيا، وفيما يحتويه النساء مع جمالهنّ وفتنة النّسّاك بهنّ، واتخاذ الأنبياء لهنّ، إلى أن خصى نفسه. ولم يكرهه عليه أب ولا عدوّ، ولا سباه ساب، أن يكون مقدار ذلك الزهد هو المقدار الذي يميت الذّكر لهنّ، ويسرّي عنه ألم فقد وجودهنّ، وينبغي لمن كان في إمكانه أن ينشئ العزم ويختار الإرادة التي يصير بها إلى قطع ذلك العضو الجامع لكبار اللذّات، وإلى ما فيه من الألم، ومع ما فيه من الخطر، وإلى ما فيه من المثلة والنّقص الداخل على الخلقة، أن تكون الوساوس في هذا الباب لا تعروه، والدواعي لا تقروه. قال:
قلنا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت نفسه عن السّكن وعن الولد، وعن أن يكون مذكورا بالعقب الصالح، أن يكون قد نسي هذا الباب، إن كان قد مرّ منه على ذكر.
هذا وأنتم تعلمون أنّي سملت عيني يوم خصيت نفسي، فقد نسيت كيفية الصّور وكيف تروع، وجهلت المراد منها، وكيف تراد، أفما كان من كان كذلك حريّا أن تكون نفسه ساهية لاهية مشغولة بالباب الذي أحتمل له هذه المكاره؟! قال: قلنا: صدقت. قال: أو لو لم أكن هرما، ولم يكن ها هنا طول اجتناب.