للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الكميت [١] : [من المتقارب]

مشافر قرحى أكلن البريرا [٢]

وإذا قيل الأعلم، علم أنّه البعير، كما أنّه إذا قيل الأقرح علم أنّه الذّبّان، قال الشاعر [٣] : [من الكامل]

ولأنت أطيش، حين تغدو سادرا ... حذر الطعان، من القدوح الأقرح [٤]

يعني الذبّان لأنه أقرح، ولأنّه أبدا يحكّ بإحدى ذراعيه على الأخرى كأنّه يقدح بعودي مرخ وعفار، أو عرجون، أو غير ذلك مما يقدح به.

٧٦٠-[إغارة الشعراء على المعاني]

ولا يعلم في الأرض شاعر تقدّم في تشبيه مصيب تامّ، وفي معنى غريب عجيب، أو في معنى شريف كريم، أو في بديع مخترع، إلّا وكلّ من جاء من الشعراء من بعده أو معه، إن هو لم يعد على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه بأسره، فإنّه لا يدع أن يستعين بالمعنى، ويجعل نفسه شريكا فيه؛ كالمعنى الذي تتنازعه الشعراء فتختلف ألفاظهم، وأعاريض أشعارهم، ولا يكون أحد منهم أحقّ بذلك المعنى من صاحبه. أو لعلّه أن يجحد أنّه سمع بذلك المعنى قطّ، وقال إنّه خطر على بالي من غير سماع، كما خطر على بال الأوّل. هذا إذا قرّعوه به. إلّا ما كان من عنترة في صفة الذباب؛ فإنه وصفه فأجاد صفته فتحامى معناه جميع الشعراء فلم يعرض له أحد منهم. ولقد عرض له بعض المحدثين ممن كان يحسّن القول، فبلغ من استكراهه لذلك المعنى، ومن اضطرابه فيه، أنّه صار دليلا على سوء طبعه في الشعر. قال عنترة [٥] : [من الكامل]

جادت عليها كلّ عين ثرّة ... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم


[١] صدر البيت (تشبّه في الهام آثارها) ، وهو في ديوان الكميت ١/١٩١، والبيان والتبيين ١/٥٥، واللسان والتاج (قرح) ، والتهذيب ٤/٣٨.
[٢] البرير: الأول من ثمر الأراك «القاموس: برر» .
[٣] البيت بلا نسبة في مجمع الأمثال ١/٤٣٨، وجمهرة الأمثال ٢/٢٣، والمستقصى ١/٢٣٠، والدرة الفاخرة ١/٢٨٩، والأمثال للسدوسي ٦٣، وثمار القلوب (٧٢٤) ، وأساس البلاغة (قدح) .
[٤] السادر: الراكب رأسه «القاموس: سدر» ، القدوح: الذي يحك ذراعا بذراع «القاموس: قدح» .
[٥] الأبيات من معلقته في ديوانه ١٨- ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>