وأمر الدّيك وشأنه، وكيف يلفظ ما قد صار في منقاره، وكيف يؤثر به طروقته من ذات نفسه- شيء يراه الناس، ويراه جميع العباد.
وهذه المكرمة، وهذا الغزل، وهذا الإيثار «١» ، شيء يراه الناس لم يكن في ذكر قطّ ممّن يزاوج إلّا الديك، والدّيك أحقّ بهذا المثل. فإن كنتم قد صدقتم على العرب في تأويل هذا المثل فهذا غلط من العرب وعصبيّة للّبن، وعشق للدّقيق.
والمثل إنّما يلفظ به رجل من الأعراب، وليس الأعرابيّ بقدوة إلّا في الجر والنصب والرفع وفي الأسماء، وأمّا غير ذلك فقد يخطئ فيه ويصيب فالدّيك أحقّ بهذا المثل الذي ذكرنا، وسائر خصاله الشريفة.
والذي يدلّ على أنّ هذا الفعل في الدّيك، إنّما هو من جهة الغزل لا غير، أنه لا يفعل ذلك إذا هرم وعجز عن السّفاد، وانصرفت رغبته عنهنّ وهو في أيّام شبابه أنهم وأحرص على المأكول، وأضنّ على الحبّ، فما له لم يؤثرهنّ به عند زهده، ويؤثرهنّ عند رغبته؟! وما باله لم يفعل ذلك وهو فرّوج صغير، وصنع ذلك حين أطاق السفاد؟! فتركه لذلك في العجز عنهنّ، وبذله في أوقات القوة عليهنّ دليل على الذي قلنا، وهذا بيّن لا يردّه إلّا جاهل أو معاند.
٣٥٥-[دفاع عن الكلب]
وقال صاحب الكلب: لسنا ننكر خصال الدّيك ومناقبه من الأخبار المحمودة، ولولا ذلك ما ميّلنا «٢» بينه وبين الكلب. ومن يميّل بين العسل والخلّ في وجه الحلاوة والحموضة؟! وكيف يفضل شيء على شيء وليس في المفضول شيء من الفضل؟! والذي قلتم من قذقه الحبّ قدّام الدّجاج صحيح. وليس هذا الذي أنكرنا، وإنّما أنكرنا موضع المثل الذي صرفتموه إلى حجّتكم، وتركتم الذين ما زال الناس يقلّدونهم في الشاهد والمثل. وإن جاز لكم أن تردّوا عليهم هذا المثل جاز لكلّ من كره مثلا أو شاهدا أن يردّ عليهم كما رددتم، وفي ذلك إفساد أمر العرب كله.
فإن زعمت أنّ الديك، كان أحقّ به، فخصومك كثير ولسنا نحيط بأوائل