أحدا من العلماء ومن الذين رووا هذا المثل يقول ذلك. والناس في هذا المثل رجلان:
زعم أحدهما أنّ اللافظة العنز؛ لأن العنز ترعى في روضة وتأكل من معلفها وهي جائعة. فيدعوها الراعي وصاحبها باسمها إلى الحلب، فتترك ما هي فيه حتى تنهك حلبا، وقال الآخر: اللافظة الرّحى، لأنّها لا تمسك في جوفها شيئا مما صار في بطنها.
وكيف تكون اللافظة الديك! وليس لنا أن نلحق في هذه الكلمة تاء التأنيث في الأسماء المذكّرة. واللافظة مع هاء التأنيث أشبه بالعنز والرّحى، وإنّما سمّينا الجمل راوية، وحامل العلم راوية، وعلّامة، حين احتجّ أهل اللغة على ذلك ولم يختلفوا فيه، وكيف ولا اختلاف بينهم أنّ الديك خارج من هذا التأويل، وإنّ اختلافهم بين العنز والرّحى.
وبعد فقد زعم ثمامة بن أشرس رحمه الله تعالى: أنّ ديكة مرو تطرد الدّجاج عن الحبّ، وتنزع الحبّ من أفواه الدّجاج «١» .
وقال صاحب الديك: قولهم: «أسمح من لافظة» لا يليق بالرّحى، لأنّ الرّحى صخرة صمّاء، والذي يخرج ما في بطنها المدير لها، والعرب إنّما تمدح بهذه الأسماء الإنسان وما جرى مجراه في الوجوه الكثيرة، ليكون ذلك مشحذة للأذهان، وداعية إلى السّباق وبلوغ الغايات وأمّا ترك الشّاة للعلف فليس بلفظ للعلف، إلّا أن يحملوا ذلك على المجازات البعيدة، وقد يكون ذلك عند بعض الضّرورة. والشّاة ترضع من خلفها حتّى تأتي على أقصى لبن في ضرعها، وتنثر العلف، وتقلب المحلب «٢» ، وتنطح من قام عليها وأتاها بغذائها. وهي من أموق «٣» البهائم، وزوجها شتيم «٤» المحيّا، منتن الريح، يبول في جوف فيه وفي حاق «٥» خياشيمه.
وتقول العرب:«ما هو إلّا تيس في سفينة»«٦» ، إذا أرادوا به الغباوة و «ما هو إلّا تيس» ، إذا أرادوا به نتن الريح.