وهم إذا أرادوا أن يمرّنوا الفراخ أخرجوها وهي جائعة، حتى إذا ألقوا إليها الحبّ أسرعت النزول. ولا تخرج والرّيح عاصف، فتخرج قبل المغرب وانتصاف النهار، وحذّاقهم لا يخرجونها مع ذكورة الحمام؛ فإنّ الذّكورة يعتريها النّشاط والطّيران والتّباعد ومجاوزة القبيلة. فإن طارت الفراخ معها سقطت على دور الناس. فرياضتها شديدة، وتحتاج إلى معرفة وعناية، وإلى صبر ومطاولة؛ لأنّ الذي يراد منها إذا احتيج إليه بعد هذه المقدّمات كان أيضا من العجب العجيب.
٦٩٤-[اختيار الحمام]
وحدّثني بعض من أثق به أنّ يعقوب بن داود، قال لبعض من دخل عليه- وقد ذهب عنّي اسمه ونسيته، بعد أن كنت عرفته-: أما ترى كي أخلف ظنّنا وأخطأ رأينا، حتّى عمّ ذلك ولم يخصّ؟! أما كان في جميع من اصطنعناه واخترناه، وتفرّسنا فيه الخير وأردناه به- واحد تكفينا معرفته مؤنة الاحتجاج عنه، حتّى صرت لا أقرّع إلّا بهم، ولا أعاب إلّا باختيارهم!! قال: فقال له رجل إنّ الحمام يختار من جهة النّسب، ومن جهة الخلقة. ثم لا يرضى له أربابه بذلك حتى ترتّبه وتنزّله وتدرّجه، ثم تحمل الجماعة منه بعد ذلك التّرتيب والتّدريب إلى الغاية، فيذهب الشّطر ويرجع الشطر، أو شبيه بذلك أو قريب من ذلك. وأنت عمدت إلى حمام لم تنظر في أنسابها ولم تتأمّل مخيلة الخير في خلقها ثمّ لم ترض حتى ضربت بها بكرّة واحدة إلى الغاية، فليس بعجب ولا منكر ألّا يرجع إليك واحد منها، وإنما كان العجب في الرّجوع. فأمّا في الضّلال فليس في ذلك عجب. وعلى أنّه لو رجع منها واحد أو أكثر من الواحد لكان خطؤك موفّرا عليك، ولم ينتقصه خطأ من أخطأ؛ لأنّه ليس من الصواب أن يجيء طائرا من الغاية على غير عرق وعلى غير تدريب.