ويرجع. ولكن اثقب لي موضعها. فلما ثقبه وأخذ وحقّه ولّاني ظهره للانصراف، والتفت إليّ فقال: قد جوّدت الثّقب، ولكن انظر أيّ نجار يدقّ فيه الزّرّة؛ فإنه إن أخطأ بضربة واحدة شقّ الباب- والشق عيب- فعلمت أنّه يفهم صناعته فهما تامّا.
٧٣٥-[قص الحمام ونتفه]
وبعض الناس إذا أراد أن يعلّم زوجا قصّهما ولم ينتفهما. وبين النّتف والقصّ بون بعيد. والقصّ كثير القصّ لا يوجع ولا يقرّح مغارز قصب الرّيش، والنّتف يوهن المنكبين. فإذا نتف الطائر مرارا لم يقو على الغاية، ولم يزل واهن المنكبين. ومتى أبطأ عليه فنتفه وقد جفّت أصوله وقربت من الطّرح كان أهون عليه، وكلما كان النبات أطرأ كان أضرّ عليه. وإنه ليبلغ من مضرّته، وأنّ الذّكر لا يجيد الإلقاح، والأنثى لا تجيد القبول. وربّما نتفت الأنثى وقد احتشت بيضا، وقد قاربت أن تبيض، فتبطئ بعد وقتها الأيّام؛ وربما أضرّ ذلك بالبيض.
٧٣٦-[زجل الحمام]
قال: وإذا بلغ الثّاني مبلغ الأوّل في استواء الرّيش، والاهتداء إلى العلم، طيّرا جميعا، ومنعا من الاستقرار؛ إلّا أن يظن بهما الإعياء والكلال. ثم يوطّن لهما المراجل برّا وبحرا، من حيث يبصران إذا هما ارتفعا في الهواء السّمت ونفس العلم، وأقاصي ما كانا يريانه منها عند التّباعد في الدّوران والجولان. فإذا رجعا من ذلك المكان مرّات زجلا من أبعد منه- وقد كانوا مرّة يعجبهم أن يزجلوا من جميع التوطينات، ما لم تبعد، مرّتين مرّتين- فلا يزالان كذلك حتّى يبلغا الغاية، ويكون أحدهما محتبسا إذا أرسل صاحبه؛ ليتذكّره فيرجع إليه. فإن خيف عليه أن يكون قد ملّ زوجته، عرضت عليه زوجة أخرى قبل الزّجل؛ فإذا تسنّمها مرّة حيل بينه وبينها يومه ذلك، ثمّ عرضوها عليه قبل أن يحمل، فإذا أطاف بها نحّيت عنه، ثمّ حمل إلى الزّاجل؛ فإنّ ذلك أسرع له.
وقال: اعلموا أنّ أشدّ المزاجل ما قلّت أعلامه، كالصّحارى والبحار.
٧٣٧-[اختلاف طباع الطير]
قال: والطير تختلف في الطّباع اختلافا شديدا: فمنها القويّ، ومنها الضعيف، ومنها البطيء، ومنها السّريع، ومنها الذّهول، ومنها الذّكور، ومنها القليل الصّبر على العطش، ومنها الصّبور. وذلك لا يخفى فيهنّ عند التّعليم والتّوطين، في سرعة