من شدّة مخالفة البلدة لطبائعها ونقضها لقواها. وإنما أسرع إليها الموت عندكم للذي يعتريها من الآفات والأعراض في دوركم، فاجتمعت عليها خصال، أوّل ذلك أنها مع الوحش وفي صميم بلادها أجرأ وأقوى، وأشهم نفسا وأمضى، فلمّا اصطدناها بالحيل، وصيّرناها مقصورة أهليّة بعد أن كانت وحشيّة وفي غير غذائها، لأنّها كانت تشرب إذا احتاجت، وتأكل إذا احتاجت وتأخذ من ذلك على مقادير ما تعرف من موقع الحاجة، فلما صارت إلى قيام العبيد عليها، والأجراء بشأنها، والوكلاء بما يصلحها دخل ذلك من النقض والخور، والخطأ والتقصير، على حسب ما تجد في سائر الأشياء، ثم لم نرض بذلك حتّى نقلناها من تلك البلدة على إنكارها لتلك اللدة، فصيّرناها إلى الضدّ بعد أن كانت في الخلاف.
وقد علمنا أنّ سبيلها سبيل سائر الحيوان، فإنّ الإبل تموت ببلاد الروم وتهلك وتسوء حالها، والعقارب تموت في مدينة حمص «١» ، والتماسيح تموت إن نقلت إلى دجلة والفرات، والنّاس يصيبهم الجلاء فيموتون ويتهافتون. وقد علمنا أنّ الزّنج إذا أخرجوا من بلادهم فما يحصل بالبصرة عندنا منهم إلّا اليسير. وكذلك لو نقلوا إليكم بزر الفلفل والسّاج والصّندل والعود، وجميع تلك الأهضام «٢» ، فما امتناع نبات العاج ببلادكم إلّا كامتناع نبات الآبنوس، وإن كان ينبت في حيوان والآخر في أرض.
فلا يفتخرنّ مفتخر في الأسد في هذه البلدة إذا قاوم الفيل. والأسد هاهنا في بلاده وفي الموضع الذي تتوفّر أموره عليه، لأنّ أسد العراق هي الغاية، وأقواها أسد السّواد ثم أسد الكوفة. ولأنّ الفيلة عندكم أيضا ترى عندكم السّنانير، وقد جعل الله في طبع الفيل الهرب من السّنّور والوحشة منه، كما أنّ بعض شجعانكم يمشي إلى الأسد، ويقبض على الثّعبان، ولا يستطيع النّظر إلى الفأر والجرذان، حتى يهرب منها كلّ الهرب، ويعتريه من النّفضة واصفرار اللّون ما لا يعتري المصبور على السّيف وهو يلاحظ بريقه عند قفاه «٣» .
٢١١٨-[خوف عبد الله بن خازم من الجرذ]
وذكر عليّ بن محمد السميري قال «٤» : بينما عبد الله بن خازم السّلميّ عند عبيد