للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غمرهم ذلك النتن المحيط بهم، وقد محق حسّهم له طول مكثه في خياشيمهم.

قال: فمن ارتاب بخبري، فليقف في الرّدّ إلى أن يمتحن ذلك في أوّل ما يخرج إلى الدنيا، عن بيت مطيّب؛ وليتشمّم تشمّم المتشبّث. على أنّ البقاع تتفاوت في النتن. فهذا قول مسبّح الكنّاس.

١٩٣-[أنتن الجيف]

وزعم لي سلمويه وابن ماسويه متطبّبا الخلفاء، أنّه ليس على الأرض جيفة أنتن نتنا ولا أثقب ثقوبا من جيفة بعير، فظننت أنّ الذي وهّمهما ذلك عصبيّتهما عليه، وبغضهما لأربابه، ولأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى آله، هو المذكور في الكتب براكب البعير.

ويقال إن الحجّاج قال لهم: أيّ الجيف أنتن؟ فقيل: جيف الكلاب. فامتحنت فقيل له: أنتن منها جيف السنانير، وأنتن جيفها الذكور منها. فصلب ابن الزّبير بين جيفتي سنّورين ذكرين «١» .

١٩٤-[أطيب الأشياء رائحة وأنتنها]

وأنا أقول في النتن والطّيب شيئا، لعلّك إن تفقّدته أن توافقني عليه وترضى قولي. أمّا النتن فإنّي لم أشمّ شيئا أنتن من ريح حشّ مقيّر، يبول فيه الخصيان ولا يصبّ عليه الماء؛ فإنّ لأبوالهم المترادفة المتراكبة ولريح القار وريح هواء الحشّ وما ينفصل إليه من ريح البالوعة- جهة من النّتن ومذهبا في المكروه، ليس بينه وبين الأبدان عمل، وإنّما يقصد إلى عين الرّوح وصميم القلب، ولا سيّما إذا كان الخلاء غير مكشوف، وكان مغموما غير مفتوح. فأمّا الطّيب فإني لم أشمم رائحة قطّ أحيا للنفس ولا أعصم للرّوح، ولا أفتق ولا أغنج، ولا أطيب خمرة من ريح عروس، إذا أحكمت تلك الأخلاط، وكان عرف بدنها ورأسها وشعرها سليما. وإن كانت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنّك ستجد ريحا تعلم أنّه ليس فوقها إلّا ريح الجنة.

١٩٥-[ما قيل في الظربان]

ومما قالوا في النّتن، وفي ريح جحر الظّربان خاصّة، قول الحكم بن عبدل:

[من الكامل]

ألقيت نفسك في عروض مشقّة ... ولحصد أنفك بالمناجل أهون «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>