«١» فزعموا أنّ هذا المثل لا يجوز أن يضرب لهذا المذكور في صدر هذا الكلام، لأنه قال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها
«٢» . فما يشبّه حال من أعطي شيئا فلم يقبله- ولم يذكر غير ذلك- بالكلب الذي إن حملت عليه نبح وولى ذاهبا، وإن تركته شدّ عليك ونبح، مع أنّ قوله:
يلهث، لم يقع في موضعه، وإنما يلهث الكلب من عطش شديد وحرّ شديد، ومن تعب، وأما النّباح والصّياح فمن شيء آخر.
قلنا له: إن قال ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا
«٣» ، فقد يستقيم أن يكون الرادّ لا يسمّى مكذبا، ولا يقال لهم كذّبوا إلا وقد كان ذلك منهم مرارا، فإن لم يكن ذلك فليس ببعيد أن يشبّه الذي أوتي الآيات والأعاجيب والبرهانات والكرامات، في بدء حرصه عليها وطلبه لها، بالكلب في حرصه وطلبه، فإنّ الكلب يعطي الجدّ والجهد من نفسه في كلّ حالة من الحالات، وشبّه رفضه وقذفه لها من يديه، وردّه لها بعد الحرص عليها وفرط الرغبة فيها، بالكلب إذا رجع ينبح بعد إطرادك له. وواجب أن يكون رفض قبول الأشياء الخطيرة النفيسة في وزن طلبهم والحرص عليها.
والكلب إذا أتعب نفسه في شدّة النّباح مقبلا إليك ومدبرا عنك، لهث واعتراه ما يعتريه عند التّعب والعطش.
وعلى أنّنا ما نرمي بأبصارنا إلى كلابنا وهي رابضة وادعة، إلا وهي تلهث، من غير أن تكون هناك إلا حرارة أجوافها، والذي طبعت عليه من شأنها، إلا أنّ لهث الكلب يختلف بالشدّة واللّين!
٢٧٦-[كرم الكلاب]
وقال صاحب الكلب: ليس الدّيك من الكلب في شيء، فمن الكلاب ذوات الأسماء المعروفة والألقاب المشهورة. ولكرامها وجوارحها وكواسبها، وأحرارها وعتاقها، أنساب قائمة ودواوين مخلّدة، وأعراق محفوظة، ومواليد محصاة، مثل كلب جذعان، وهو السّلهب بن البراق بن يحيى بن وثّاب بن مظفّر بن محارش.