للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٤٠-[مذاهب العرب في تسمية أولادهم]

قال «١» : والعرب إنّما كانت تسمّي بكلب، وحمار، وحجر، وجعل، وحنظلة، وقرد، على التفاؤل بذلك. وكان الرجل إذا ولد له ذكر خرج يتعرّض لزجر الطير والفأل، فإن سمع إنسانا يقول حجرا، أو رأى حجرا سمّى ابنه به وتفاءل فيه الشدّة والصلابة، والبقاء والصبر، وأنّه يحطم ما لقى. وكذلك إن سمع إنسانا يقول ذئبا أو رأى ذئبا، تأوّل فيه الفطنة والخبّ والمكر والكسب. وإن كان حمارا تأوّل فيه طول العمر والوقاحة والقوّة والجلد. وإن كان كلبا تأوّل فيه الحراسة واليقظة وبعد الصوت، والكسب وغير ذلك.

ولذلك صوّر عبيد الله بن زياد في دهليزه كلبا وأسدا، وقال: كلب نابح، وكبش ناطح، وأسد كالح. فتطيّر إلى ذلك فطارت عليه.

وقال آخر: لو كان الرجل منهم إنّما كان يسمّي ابنه بحجر وجبل، وكلب، وحمار، وثور، وخنزير، وجعل، على هذا المعنى فهلّا سمّى ببرذون، وبغل، وعقاب، وأشباه ذلك؛ وهذه الأسماء من لغتهم.

قال الأوّل: إنّما لم يكن ذلك، لأنّه لا يكاد يرى بغلا وبرذونا، ولعلّه لا يكون رآهما قط، وإن كانت الأسماء عندهم عتيدة لأمور لعلّهم يحتاجون إليها يوما ما.

قالوا: فقد كان يسمع بفرس وبعير، كما كان يسمع بحمار وثور، وقد كان يستقيم أن يشتقّ منهما اشتقاقات محمودة. بل كيف صار ذلك كذلك ونحن نجده يسمّي بنجم ولا يسمّي بكوكب! إلّا أنّ بعضهم قد سمّى بذلك عبدا له، وفيه يقول:

[من مخلع البسيط]

كوكب إن متّ فهي ميتتي ... لا متّ إلّا هرما يا كوكب

ووجدناهم يسمون بجبل وسند، وطود، ولا يسمّون بأحد ولا بثبير وأجأ وسلمى ورضوى، وصندد وحميم، وهو تلقاء عيونهم متى أطلعوا رؤوسهم من خيامهم. ويمسون ببرج ولا يسمون بفلك، ويسمون بقمر وشمس على جهة اللقب أو على جهة المديح، ولم يسمّوا بأرض وسماء، وهواء وماء، إلّا على ما وصفنا.

وهذه الأصول في الزجر أبلغ، كما أنّ جبلا أبلغ من حجر، وطودا أجمع من صخر.

وتركوا أسماء جبالهم المعروفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>