للخواطر أسباب، ويتهيأ لصواب الرأي أبواب. ولتكون المعارف الحسّية والوجدانات الغريزيّة، وتمييز الأمور بها، إلى ما يتميز عند العقول وتحصره المقاييس. وليكون عمل الدّنيا سلّما إلى عمل الآخرة، وليترقّى من معرفة الحواس إلى معرفة العقول، ومن معرفة الرويّة من غاية إلى غاية؛ حتّى لا يرضى من العلم والعمل إلّا بما أدّاه إلى الثّواب الدائم، ونجّاه من العقاب الأليم.
٣٣٠-[ما يحسن الكلب مما لا يحسنه الإنسان]
سنذكر طرفا ممّا أودع الله- عزّ وجلّ- الكلب ممّا لا تحسنه أنت أيّها الإنسان، مع احتقارك له وظلمك إيّاه.
وكيف لا تكون تلك الحكم لطيفة، وتلك المعاني غريبة، وتلك الأحساس «١» دقيقة، ونحن نعلم أنّ أدقّ الناس حسّا وأرقّهم ذهنا وأحضرهم فهما، وأصحّهم خاطرا وأكملهم تجربة وعلما، لو رام الشيء الذي يحسنه الكلب في كثير من حالات الكلب لظهر له من عجزه وخرقه، وكلال حدّه وفساد حسّه، ما لا يعرف بدونه إنّ الأمور لم تقسم على مقدار رأيه، ولا على مبلغ عقله وتقديره، ولا على محبّته وشهوته؛ وأنّ الذي قسم ذلك لا يحتاج إلى المشاورة والمعاونة، وإلى مكانفة ومرافدة، ولا إلى تجربة ورويّة. ونحن ذاكرون من ذلك جملا إن شاء الله تعالى.
٣٣١-[خبرة الكلب في الصيد]
اعلم أنّ الكلب إذا عاين الظّباء، قريبة كانت أو بعيدة، عرف المعتلّ وغير المعتل وعرف العنز من التّيس. وهو إذا أبصر القطيع لم يقصد إلّا قصد التّيس- وإن علم أنّه أشدّ حضرا، وأطول وثبة، وأبعد شوطا- ويدع العنز وهو يرى ما فيها من نقصان حضرها وقصر قاب خطوها، ولكنّه يعلم أنّ التّيس إذا عدا شوطا أو شوطين حقب ببوله «٢» !!.
٣٣٢-[ما يعرض للحيوان عند الفزع]
وكلّ حيوان إذا اشتدّ فزعه، فإنّه يعرض له إمّا سلس البول والتقطير، وإمّا الأسر «٣» والحقب. وكذلك المضروب بالسياط على الأكتاف، وبالعصيّ على الأستاه. وما أكثر ما يعتريهم البول والغائط.