فإذا أجاب بذلك أبو إسحاق لم يجد خصمه بدّا من أن يبتدئ مسألة في إفساد القول بالطفرة والتخليف.
ولولا ما اعترض به أبو إسحاق من الجواب بالطفرة في هذا الموضع، لكان هذا مما يقع في باب الاستدلال على حدوث العالم.
١٢٧١-[قول النظام في الكمون]
وكان أبو إسحاق يزعم أن احتراق الثوب والحطب والقطن، إنما هو خروج نيرانه منه، وهذا هو تأويل الاحتراق، وليس أن نارا جاءت من مكان فعملت في الحطب، ولكن النار الكامنة في الحطب لم تكن تقوى على نفي ضدّها عنها، فلما اتصلت بنار أخرى، واستمدّت منها، قويتا جميعا على نفي ذلك المانع، فلما زال المانع ظهرت. فعند ظهورها تجزّأ الحطب وتجفف وتهافت؛ لمكان عملها فيه.
فإحراقك للشيء إنما هو إخراجك نيرانه منه.
وكان يزعم أن حرارة الشمس، إنما تحرق في هذا العالم بإخراج نيرانها منه.
وهي لا تحرق ما عقد العرض وكثّف تلك النداوة؛ لأن التي عقدت تلك الأجزاء من الحر أجناس لا تحترق، كاللون والطعم والرائحة، والصوت. والاحتراق إنما هو ظهور النار عند زوال مانعها فقط.
وكان يزعم أن سمّ الأفعى مقيما في بدن الأفعى، ليس يقتل، وأنه متى مازج بدنا لا سمّ فيه لم يقتل ولم يتلف، وإنما يتلف الأبدان التي فيها سموم ممنوعة مما يضادّها. فإذا دخل عليها سم الأفعى، عاون السم الكامن ذلك السمّ الممنوع على مانعه. فإذا زال المانع تلف البدن. فكان المنهوش عند أبي إسحاق، إنما كان أكثر ما أتلفه السمّ الذي معه.
وكذلك كان يقول في حرّ الحمّام، والحر الكامن في الإنسان: أنّ الغشي الذي يعتريه في الحمام ليس من الحر القريب، ولكن من الحر الغريب، حرّك الحرّ الكامن في الإنسان، وأمدّه ببعض أجزائه، فلما قوي عند ذلك على مانعه فأزاله، صار ذلك العمل الذي كان يوقعه بالمانع واقعا به. وإنما ذلك كماء حار يحرق اليد، صبّ عليه ماء بارد، فلما دخل عليه الماء البارد صار شغله بالداخل، وصار من وضع يده فيه ووضع يده في شيء قد شغل فيه بغيره. فلما دفع الله، عزّ وجلّ، عنه ذلك الجسم