للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدامن جوعات كأنّ عروقه ... مسارب حيّات تسرّبن سمسما [١]

١٠٨٩-[أعجوبة جلد الحية]

[وليس في الأرض قشر ولا ورقة] [٢] ، ولا ثوب، ولا جناح، ولا ستر عنكبوت، إلا وقشر الحيّة أحسن منه وأرقّ، وأخفّ وأنعم، وأعجب صنعة وتركيبا.

ولذلك وصف كثيّر قميص ملك، فشبّهه بسلخ الحيّة، حيث يقول [٣] : [من الطويل]

إذا ما أفاد المال أودى بفضله ... حقوق، فكره العاذلات يوافقه

يجرّر سربالا عليه كأنّه ... سبيء لهزلى لم تقطّع شرانقه [٤]

والسّبيء: السّلخ والجلد. قال الشاعر [٥] : [من الطويل]

وقد نصل الأظفار وانسبأ الجلد

١٠٩٠-[صمم النعام والأفعى]

وترعم العرب أنّ النّعام والأفعى صمّ لا تسمع، وكذلك هما من بين جميع الخلق. وسنذكر من ذلك في هذا الموضع طرفا، ونؤخر الباقي إلى الموضع الذي نذكر فيه جملة القول في النّعام.

وقد ابتلينا بضربين من الناس، ودعواهما كبيرة، أحدهما يبلغ من حبه للغرائب أن يجعل سمعه هدفا لتوليد الكذابين، وقلبه قرارا لغرائب الزّور. ولكلفه بالغريب، وشغفه بالطّرف، لا يقف على التّصحيح والتمييز، فهو يدخل الغثّ في السمين، والممكن في الممتنع، ويتعلّق بأدنى سبب ثمّ يدفع عنه كلّ الدّفع.

والصّنف الآخر، وهو أنّ بعضهم يرى أنّ ذلك لا يكون منه عند من يسمعه يتكلم إلا من خاف التقزّز من الكذب.

فزعم ناس أنّ الدّليل على أنّ الأفاعي صمّ، قول الشاعر: [من الرجز]

أنعت نضناضا من الحيّات ... أصمّ لا يسمع للرّقاة [٦]


[١] مدامن جوعات: مدمن جوع.
[٢] الزيادة من ثمار القلوب (٦٣٠) ٣٤٠.
[٣] البيتان لكثير عزة في ديوانه ٣٠٨، والمعاني الكبير ٦٧٣، وللراعي النميري في ديوانه ٣٠٨.
[٤] الهزلى: الحيات. (القاموس: هزل) .
[٥] الشطر بلا نسبة في اللسان والتاج (سبأ) .
[٦] النضناض: حية لا تستقر في مكان، أو إذا نهشت قتلت من ساعتها، أو التي أخرجت لسانها تحركه. (القاموس: نضض) . الرقاة: جمع راق.

<<  <  ج: ص:  >  >>