للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى شبيه بذلك كان عمر- رضي الله عنه- أمر بذبح الدّيكة وأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقتل الكلاب [١] .

قالوا: ففيما ذكرنا دليل على أنّ أكل لحوم الكلاب لم يكن من دينهم ولا أخلاقهم، ولا من دواعي شهواتهم. ولولا ذلك لما جاء الأثر عن النبيّ- صلّى الله عليه وسلم- وعمر وعثمان- رضي الله تعالى عنهما بذبح الدّيكة والحمام، وقتل الكلاب. ولولا أنّ الأمر على ما قلنا، لقالوا: اقتلوا الدّيوك والحمام كما قال: اقتلوا الكلاب. وفي تفريقهم بينها دليل على افتراق الحالات عندهم.

قال: حدّثني أسامة بن زيد، وإبراهيم بن أبي يحيى، أنّ عثمان شكوا إليه الحمام، وأنّه قال: «من أخذ منهنّ شيئا فهو له» . وقد علمنا أنّ اللفظ وإن كان قد وقع على شكاية الحمام، فإن المعنى إنّما هو على شكاية أصحاب الحمام؛ لأنّه ليس في الحمام معنى يدعو إلى شكاية.

قال: وحدّثنا عثمان قال: سئل الحسن عن الحمام الذي يصطاده النّاس، قال:

لا تأكله، فإنّه من أموال الناس! فجعله مالا، ونهى عن أكله بغير إذن أهله. وكلّ ما كان مالا فيبيعه حسن وابتياعه حسن. فكيف يجوز لشيء هذه صفته أن يذبح، إلّا أن يكون ذلك على طريق العقاب والزّجر لمن اتّخذه لما لا يحلّ!!.

قال: ورووا عن الزّهري عن سعيد بن المسيّب قال: نهى عثمان عن اللعب بالحمام، وعن رمي الجلاهق. فهذا يدلّ على ما قلنا.

٦٧٨-[أمن حمام مكة وغزلانها]

والناس يقولون: «آمن من حمام مكّة، ومن غزلان مكة» [٢] . وهذا شائع على جميع الألسنة، لا يردّ أحد ممن يعرف الأمثال والشّواهد. قال عقيبة الأسديّ لابن الزّبير: [من الكامل]

مازلت مذ حجج بمكة محرما ... في حيث يأمن طائر وحمام

فلتنهضنّ العيس تنفخ في البرا ... يجتبن عرض مخارم الأعلام [٣]

أبنو المغيرة مثل آل خويلد؟! ... يا للرّجال لخفّة الأحلام!


[١] انظر ما تقدم في الفقرة (٢٢٥) .
[٢] المستقصى ١/٩، ومجمع الأمثال ١/٨٧، والدرة الفاخرة ١/٦٩.
[٣] البرا: جمع برة، وهي الحلقة في أنف البعير «القاموس: برّ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>