تمثيل ما بين خصال الدّرّة والحمامة، والفيل والبعير، والثّعلب والذيب أعجب، ولسنا نعني أنّ للدّرّة ما للطاوس من حسن ذلك الريش وتلاوينه وتعاريجه، ولا أنّ لها غناء الفرس في الحرب والدّفع عن الحريم؛ لكنّا إذا أردنا مواضع التدبير العجيب من الخلق الخسيس، والحسّ اللطيف من الشيء السخيف، والنّظر في العواقب من الخلق الخارج من حدود الإنس والجنّ والملائكة، لم نذهب إلى ضخم البدن وعظم الحجم، ولا إلى المنظر الحسن ولا إلى كثرة الثمن. وفي القرد أعاجيب وفي الدّبّ أعاجيب، وليس فيهما كبير مرفق إلّا بقدر ما تتكسّب به أصحاب القردة، وإنما قصدنا إلى شيئين يشيع القول فيهما، ويكثر الاعتبار ممّا يستخرج العلماء من خفيّ أمرهما. ولو جمعنا بين الدّيك وبين بعض ما ذكرت، وبين الكلب وبين بعض ما وصفت، لانقطع القول قبل أن يبلغ حدّ الموازنة والمقابلة.
وقد ذكرت أنّ بعض ما دعاك إلى الإنكار عليهما والتعجّب من أمرهما، سقوط قدر الكلب ونذالته، وبله الدّيك وغباوته، وأنّ الكلب لا بهيمة تامّة ولا سبع تامّ، وما كان ليخرجه من شيء من حدود الكلاب إلى حدود الناس، مقدار ما هو عليه من الأنس بهم، فقد يكون في الشيء بعض الشبه من شيء ولا يكون ذلك مخرجا لهما من أحكامهما وحدودهما.
١٦٩-[تشبيه الإنسان بالقمر والشمس ونحوهما]
وقد يشبّه الشعراء والعلماء والبلغاء الإنسان بالقمر والشمس، والغيث والبحر، وبالأسد والسيف، وبالحيّة وبالنّجم، ولا يخرجونه بهذه المعاني إلى حدّ الإنسان.
وإذا ذمّوا قالوا: هو الكلب والخنزير، وهو القرد والحمار، وهو الثور، وهو التّيس، وهو الذيب، وهو العقرب، وهو الجعل، وهو القرنبى؛ ثم لا يدخلون هذه الأشياء في حدود الناس ولا أسمائهم، ولا يخرجون بذلك الإنسان إلى هذه الحدود وهذه الأسماء. وسمّوا الجارية غزالا، وسمّوها أيضا خشفا، ومهرة، وفاختة، وحمامة، وزهرة، وقضيبا، وخيزرانا، على ذلك المعنى. وصنعوا مثل ذلك بالبروج والكواكب، فذكروا الأسد والثور، والحمل والجدي، والعقرب والحوت، وسمّوها بالقوس والسّنبلة والميزان، وغيرها. وقال في ذلك ابن عسلة الشيبانيّ:[من الكامل]