للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك عند ما رأى من تطويل محمّد بن الجهم وعجز العتبي وسوء فهم القاسم بن سيّار، فقال له المأمون: أسألك عن حرفين فقط. خبّرني: هل ندم مسيء قطّ على إساءته، أو نكون نحن لم نندم على شيء كان منّا قط؟! قال: بل ندم كثير من المسيئين على إساءتهم. قال: فخبّرني عن النّدم على الإساءة، إساءة أو إحسان؟ قال:

إحسان. قال: فالذي ندم هو الذي أساء أو غيره؟ قال: الذي ندم هو الذي أساء. قال:

فأري صاحب الخير هو صاحب الشّرّ، وقد بطل قولكم: إنّ الذي ينظر نظر الوعيد غير الذي ينظر نظر الرحمة. قال: فإني أزعم أنّ الذي أساء غير الذي ندم. قال: فندم على شيء كان منه أو على شيء كان من غيره؟ فقطعه بمسألته [١] ، ولم يتب ولم يرجع، حتى مات، وأصلاه الله نار جهنّم.

١٢٣٣-[شعر في هجو الزنادقة]

وقد ذكر حمّاد عجرد ناسا في هجائه لبشار [٢] ، فقال: [من الكامل]

لو كنت زنديقا، عمار، حبوتني ... أو كنت أعبد غير ربّ محمّد

أو كنت عندك أو تراك عرفتني ... كالنّضر أو ألفيت كابن المقعد

أو كابن حمّاد ربيئة دينكم ... جبل وما جبل الغويّ بمرشد [٣]

لكنّني وحّدت ربّي مخلصا ... فجفوتني بغضا لكلّ موحّد

وحبوت من زعم السّماء تكوّنت، ... والأرض خالقها لها لم يمهد

والنّسم مثل الزّرع آن حصاده ... منه الحصيد ومنه ما لم يحصد [٤]

وحمّاد هذا أشهر بالزّندقة من عمارة بن حربية، الذي هجاه بهذه الأبيات.

وأمّا قوله:

وحبوت من زعم السّماء تكوّنت

فليس يقول أحد: إنّ الفلك بما فيه من التّدبير، تكوّن بنفسه ومن نفسه!


[١] قطعه بمسألته: غلبه بالحجة.
[٢] كذا؟ ونص الشعر يوضح أن المهجو اسمه عمارة، وليس بشارا.
[٣] الربيئة: الطليعة وعين القوم.
[٤] النّسم: جمع نسمة، وتعني الإنسان. وقد سكنت السين للضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>