عليه الصّدقة. وكم من حاذق بصناعته، وكثير الجولان في تجارته، وقد بلغ فرغانة «١» مرّة، والأندلس مرة، ونقّب في البلاد، وربع في الآفاق «٢» ، ومن حاذق يشاور ولا يستعمل، ثمّ لا تجدهما يستبينان، من سوء الحال وكثرة الدّين. ومن صاحب حرب منكوب، وهو اللّيث على براثنه، مع تمام العزيمة وشدّة الشّكيمة، ونفاذ البصيرة، ومع المعرفة بالمكيدة والصّبر الدّائم على الشدّة.
وبعد؛ فكم من بيت شعر قد سار، وأجود منه مقيم في بطون الدّفاتر، لا تزيده الأيّام إلّا خمولا، كما لا تزيد الذي دونه إلّا شهرة ورفعة. وكم من مثل قد طار به الحظّ حتّى عرفته الإماء، ورواه الصّبيان والنّساء.
وكذلك حظوظ الفرسان. وقد عرفت شهرة عنترة في العامّة. ونباهة عمرو بن معد يكرب، وضرب الناس المثل بعبيد الله بن الحرّ، وهم لا يعرفون، بل لم يسمعوا قطّ بعتيبة بن الحارث بن شهاب، ولا ببسطام بن قيس، وكان عامر بن الطفيل أذكر منهما نسبا.
ويذكرون عبيد الله بن الحرّ، ولا يعرفون شعبة بن ظهير ولا زهير بن ذؤيب، ولا عبّاد بن الحصين. ويذكرون اللسن والبيان والخطيب ابن القرّيّة ولا يعرفون سحبان وائل.
والعامّة لم يصل ذكر هؤلاء إليهم إلّا من قبل الخاصّة، والخاصّة لم تذكر هؤلاء دون أولئك، فتركت تحصيل الأمور والموازنة بين الرجال وحكمت بالسّابق إلى القلب، على قدر طباع القلب وهيئته، ثمّ استوت علل العامّة في ذلك وتشابهت.
والعامّة والباعة والأغنياء والسّفلة كأنّهم أعذار عام واحد. وهم في باطنهم أشدّ تشابها من التوأمين في ظاهرهما، وكذلك هم في مقادير العقول وفي الاعتراض والتسرّع، وإن اختلفت الصّور والنّغم «٣» ، والأسنان والبلدان.
٣١٦-[تشابه طبائع العامّة في كلّ دهر]
وذكر الله عزّ وجلّ ردّ قريش ومشركي العرب على النبيّ صلى الله عليه وسلم قوله، فذكر ألفاظهم، وجهد معانيهم، ومقادير هممهم التي كانت في وزن ما يكون من جميع