ولقبلة الإسلام، وتأسيسا لنبوّة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتعظيما لشأنه ولما أجرى من ذلك على يدي جدّه عبد المطلب، حين غدت الحبشة لتهدم البيت الحرام وتذلّ العرب، فلم يذكر الله منهم ملكا ولا سوقة باسم ولا نسب ولا لقب وذكر الفيل باسمه المعروف، وأضاف السورة التي ذكر فيها الفيل إلى الفيل، وجعل فيه من الآية أنهم كانوا إذا قصدوا به نحو البيت تعاصى وبرك، وإذا خلّوه وسومه «١» صدّ عنه وصدف. وفي أضعاف ذلك التقم أذنه نفيل بن حبيب، وقال:«ابرك محمود» ، وكان ذلك اسمه.
٢١٨٠-[الطعن في قصة الفيل]
وقد طعن في ذلك ناس فقالوا: قد يستقيم أن ينصرف عنه ويحرد دونه، كلّ ذلك بتصريف الله له. وكيف يجوز أن يفهم كلام العرب ويعرف معنى قول نفيل؟
فإن قلتم: قد يفهم الفيل عن الفيّال جميع الأدب والتقويم، وجميع ما يريد منه عند الحطّ والرّحيل والمقام والمسير. قلنا: قد يفهم بالهنديّة كما يعرف الكلب اسمه، ويعرف قولهم اخسأ. وقد يعرف السّنّور اسمه ويعرف الدّعاء والزّجر، وكذلك الطّفل والمجنون، وكذلك الحمار والفرس إذا كنّ قد عوّدن تلك الإشارة، وسماع تلك الألفاظ. فأمّا الفيل وهو هنديّ جلبه إلى تلك البلدة حبشيّ، فخرج من عجمة إلى عجمة، كيف يفهم مع ذلك لسان العرب وسرار نفيل بن حبيب بالعربيّة؟
قلنا: قد يستقيم أن يكون قال له كلاما بالهنديّة كان قد تعوّد سماعه من الفيّالين، فيكون ترجمته بالعربيّة هذا الكلام الذي حكوه، وقد يكون الذي أنطق الذّئب لأهبان بن أوس؛ وجعل عود المنبر يحنّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يصوّر لوهم الفيل إرادة نفيل بن حبيب. وقد يستقيم مع لقن الفيل وذكائه وحكايته ومؤاتاته، أن يعرف ذلك كلّه وأكثر منه، لطول مقامه في أرض الحبشة واليمن، وليس يبعد أن يكون بأرض الحبشة جماعة كثيرة من العرب من وافد وباغ وتاجر، وغير ذلك من الأصناف، فيسمع ذلك منهم الفيل فيعرفه، وليس هذا المقدار بمستنكر من الفيل، مع الذي قد أجمعوا عليه من فهم الفيل ومعرفته.
وكان منكه المتطبّب الهنديّ صحيح الإسلام، وكان إسلامه بعد المناظرة والاستقصاء والتثبّت، قالوا: فسمع مرّة من رجل وهو يقرأ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ