«١» ، وسمع بعض الجهال يقول: فكيف لو رأى الفيل؟ فعذله قوم، فقال منكه: لا تعذلوه فإنّه لا شكّ أنّ خلق الفيل أعجب، فقيل له: فكيف لم يضرب به الله تعالى المثل دون البعير؟ فقال أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النظام، فقلت له:
ليس الفيل بأعجب من البعير. واجعله يعجّب من البعير. وهو إنما خاطب العرب، وهم الحجة على جميع أهل اللغات، ثم تصير تلك المخاطبة لجميع الأمم بعد الترجمة على ألسنة هؤلاء العرب، الذين بهم بدأت المخاطبة لجميع الأمم. وكيف يجوز أن يعجّب جماعة الأمم من شيء لم يروه قطّ، ولا كان على ظهرها يوم نزلت هذه السورة رجل واحد كان قد شهد الفيل والحبشة. وعلى أنّ الفيل وافى مكّة وما بها أحد إلّا عبد المطلب في نفير من بقيّة النّاس، ولا كانوا حيث يتأمّلون الفيل.
وقد قال ناس: كان النّاس رجلين، رجل قد سمع بهذا الخبر من رجالات قريش الذين يجترّون إلى أنفسهم بذلك التّعظيم، كما كانت السّدنة تكذب للأوثان والأصنام والأنصاب، لتجترّ بذلك المنافع، ورجل لم يكن عنده علم بأنّ هذا الخبر باطل فلم يتقدّم على إنكار ذلك الخبر، وجميع قريش تثبّته.
قيل لهم: إنّ مكّة لم تزل دار خزاعة وبقايا جرهم وبقايا الأمم البائدة، وكانت كنانة منها النّسأة، وكانت مرّ بن أدّ من رهط صوفة والرّبيط منها أصحاب المزدلفة، وإليهم كانت السّدانة، وكانت عدوان وأبو سيّارة عميلة بن أعزل، تدفع بالنّاس، وقد كان بين خزاعة وبقايا جرهم ما كان حتى انتزعوا البيت منهم، وقد كان بين ثقيف وقريش لقرب الدار والمصاهرة، والتّشابه في الثروة والمشاكلة في المجاورة تحاسد وتنافر، وقد كان هنالك فيهم المولى والحلفاء والقطّان والنازلة، ومن يحجّ في كلّ عام، وكان البيت مزورا على وجه الدهر، يأتونه رجالا وركبانا وعلى كل ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق، وبشقّ الأنفس، كما قال الله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
«٢» ، وكانوا بقرب سوق عكاظ وذي المجاز، وهما سوقان معروفان، وما زالتا قائمين حتى جاء الإسلام، فلا يجوز أن يكون السّالب والمسلوب، والمفتخر به والمفتخر عليه، والحاسد والمحسود، والمتديّن به والمنكر له، مع اختلاف الطبائع