للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القنع: الموضع الذي يجتمع فيه نقران الماء. والفراش: الماء الرقيق الذي يبقى في أسفل الحياض.

وأخبرني رجل من ثقيف، من أصحاب النّبيذ أنّهم ربّما فلقوا السّفرجلة أيام السّفرجل للنّقل والأكل، وليس هناك من صغار الذّبّان شيء البتّة ولا يعدمهم أن يروا على مقاطع السّفرجل ذبابا صغارا. وربّما رصدوها وتأمّلوها، فيجدونها تعظم حتّى تلحق بالكبار في السّاعة الواحدة.

٧٩٨-[حياة الذّباب والجعلان بعد موته]

قال: وفي الذّبان طبع كطبع الجعلان، فهو طبع غريب عجيب. ولولا أنّ العيان قهر أهله لكانوا خلقاء أن يدفعوا الخبر عنه؛ فإنّ الجعل إذا دفن في الورد مات في العين، وفنيت حركاته كلّها، وعاد جامدا تارزا [١] ولم يفصل الناظر إليه بينه وبين الجعل الميّت، ما أقام على تأمله. فإذا أعيد إلى الروث عادت إليه حركة الحياة من ساعته.

وجرّبت أنا مثل ذلك في الخنفساء، فوجدت الأمر فيها قريبا من صفة الجعل، ولم يبلغ كلّ ذلك إلّا لقرابة ما بين الخنفساء والجعل.

ودخلت يوما على ابن أبي كريمة، وإذا هو قد أخرج إجّانة [٢] كان فيها ماء من غسالة أوساخ الثياب، وإذا ذبّان كثيرة قد تساقطن فيه من اللّيل فموّتن. هكذا كنّ في رأي العين. فغبرن كذلك عشيّتهنّ وليلتهنّ، والغد إلى انتصاف النهار، حتّى انتفخن وعفنّ واسترخين؛ وإذا ابن أبي كريمة قد أعدّ آجرّة جديدة، وفتات آجرّ جديد، وإذا هو يأخذ الخمس منهنّ والستّ، ثمّ يضعهنّ على ظهر الآجرّة الجديدة، ويذرّ عليهنّ من دقاق ذلك الآجرّ الجديد المدقوق بقدر ما يغمرها فلا تلبث أن يراها قد تحرّكت، ثمّ مشت، ثمّ طارت؛ إلّا أنّه طيران ضعيف.

٧٩٩-[غلام ابن أبي كريمة]

وكان ابن أبي كريمة يقول: لا والله، لا دفنت ميّتا أبدا حتّى ينتن! قلت:

وكيف ذاك؟ قال: إنّ غلامي هذا نصيرا مات، فأخّرت دفنه لبعض الأمر، فقدم أخوه تلك اللّيلة فقال: ما أظنّ أخي مات! ثمّ أخذ فتيلتين ضخمتين، فروّاهما دهنا ثمّ


[١] التارز: اليابس لا روح فيه؛ والميت «القاموس: ترز» .
[٢] الإجانة: الوعاء يغسل فيه الثياب «القاموس: أجن» .

<<  <  ج: ص:  >  >>