للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذبحته وضربت عنقه، ولكن السيف خانني. أو على قولهم: المسك الذّبيح، أو على قولهم: فجئت وقد ذبحني العطش- لكان ذلك مجازا.

ولو أنّ صبيّا من صبياننا سئل، قبل أن يبلغ فرض البلوغ بساعة، وكان رأى ملكة سبإ في جميع حالاتها، لما كان بعيدا ولا ممتنعا أن يقول: رأيت امرأة ملكة، ورأيتها تسجد للشّمس من دون الله، ورأيتها تطيع الشّيطان وتعصي الرّحمن، ولا سيما إن كان من صبيان الخلفاء والوزراء، أو من صبيان الأعراب.

والدّليل على أنّ ذلك الهدهد كان مسخّرا وميسّرا، مضيّه إلى اليمن، ورجوعه من ساعته.

ولم يكن من الطّير القواطع فرجع إلى وكره. والدّليل على ذلك أنّ سليمان عليه السلام لم يقل: نعم قد رأيت كلّ ما ذكرت، وأنت لم تعلم حين مضيت بطّالا هاربا من العمل، أتكدي أم تنجح، أو ترى أعجوبة أو لا تراها. ولكنّه توعّده على ظاهر الرّأي، ونافره القول؛ ليظهر الآية والأعجوبة.

١٠٠٣-[طعن الدهرية في ملك سليمان]

ثمّ طعن في ملك سليمان وملكة سبإ، ناس من الدّهريّة، وقالوا: زعمتم أنّ سليمان سأل ربّه فقال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي

[١] وأنّ الله تعالى أعطاه ذلك، فملّكه على الجنّ فضلا عن الإنس، وعلّمه منطق الطّير، وسخّر له الرّيح، فكانت الجنّ له خولا، والرّياح له مسخرة ثمّ زعمتم- وهو إمّا بالشّام وإمّا بسواد العراق- أنّه لا يعرف باليمن ملكة هذه صفتها. وملوكنا اليوم دون سليمان في القدرة، لا يخفى عليهم صاحب الخزر، ولا صاحب الروم، ولا صاحب الترك، ولا صاحب النّوبة، وكيف يجهل سليمان موضع هذه الملكة، مع قرب دارها واتّصال بلادها! وليس دونها بحار ولا أوعار؛ والطريق نهج للخفّ والحافر والقدم.

فكيف والجنّ والإنس طوع يمينه. ولو كان، حين خبّره الهدهد بمكانها، أضرب عنها صفحا، لكان لقائل أن يقول: ما أتاه الهدهد إلّا بأمر يعرفه. فهذا وما أشبهه دليل على فساد أخباركم.

قلنا: إنّ الدّنيا إذا خلّاها الله وتدبير أهلها، ومجاري أمورها وعاداتها كان لعمري كما تقولون. ونحن نزعم أنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان أنبه أهل


[١] ٣٥/ص: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>