للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدّر التعليم، وعلى قدر التوطين. فأوّل ذلك أن يخرج إلى ظهر سطح يعلو عليه، وينصب عليه علم يعرفه، ويكون طيرانه لا يجاوز محلّته، وأن يكون علفه بالغداة والعشيّ، يلقى له فوق ذلك السّطح، قريبا من علمه المنصوب له، حتّى يألف المكان ويتعّود الرّجوع إليه. ولكن لينظر من أيّ شيء يتّخذ العلم؟ فإنّه لا ينبغي أن يكون أسود، ولا يكون شيئا تراه من البعد أسود. وكلما كان أعظم كان أدلّ.

ولا ينبغي أن يطيّره وزوجته معا، ولكن ينتف أحدهما ويطيّر الآخر، ويخرجان إلى السّطح جميعا، ثمّ يطيّر الوافي الجناح؛ فإنّه ينازع إلى زوجته. وإذا عرف المكان، ودار ورجع، وألف ذلك الموضع، ونبت ريش الآخر، صنع به كذلك.

وأجود من ذلك أن يخرجا إلى السّطح وهما مقصوصان، حتّى يألفا ذلك الموضع، ثمّ يطيّر أحدهما قبل صاحبه، ويصنع بالثّاني كما صنع بالأوّل.

وما أشبه قوله هذا بقول ماسرجويه؛ فإنه وصف في كتابه، طباع جميع الألبان، وشربها للدّواء، فلمّا فرغ من الصّفة قال: وقد وصفت لك حال الألبان في أنفسها، ولكن انظر إلى من يسقيك اللّبن؛ فإنّك بدءا تحتاج إلى تنظيف جوفك، وتحتاج إلى من يعرف مقدار علّتك من قدر اللّبن، وجنس علّتك من جنس اللّبن.

٧٣٤-[حوار مع نجار يفهم صناعته]

ومثل ذلك قول نجّار كان عندي، دعوته لتعليق [١] باب ثمين كريم فقلت له:

إنّ إحكام تعليق الباب شديد ولا يحسنه من مائة نجّار نجار واحد. وقد يذكر بالحذق في نجارة السقوف والقباب، وهو لا يكمل لتعليق باب على تمام الاحكام فيه. والسقوف، والقباب عند العامّة أصعب.

ولهذا أمثال: فمن ذلك أنّ الغلام والجارية يشويان الجدي والحمل ويحكمان الشيّ، وهما لا يحكمان شيّ جنب. ومن لا علم له يظنّ أنّ شيّ البعض أهون من شيّ الجميع!.

فقال لي: قد أحسنت حين أعلمتني أنّك تبصر العمل، فإنّ معرفتي بمعرفتك تمنعني من التشفيق [٢] . فعلّقه فأحكم تعليقه؛ ثمّ لم يكن عندي حلقة لوجه الباب إذا أردت إصفاقه، فقلت له: أكره أن أحبسك إلى أن يذهب الغلام إلى السوق


[١] تعليق الباب: تركيبه «القاموس: علق» .
[٢] الشفق: الرديء من الأشياء «القاموس: شفق» .

<<  <  ج: ص:  >  >>