والذي فرّق هذه الأقسام، وسخّر هذه النفوس، وصرف هذه العقول لاستخراج هذه العلوم من مدافنها، وهذه المعاني من مخابيها، هو الذي سخّر بطليموس مع ملكه، وفلانا وفلانا للتفرّغ للأمور السماويّة، ولرعاية النجوم واختلاف مسير الكواكب. وكلّ ميسّر لما خلق له، لتتمّ النعمة ولتكمل المعرفة، وإنما تأبّى التيسير للمعاصي.
فأمّا الصناعات فقد تقصر الأسباب بعض الناس على أن يصير حائكا، وتقصر بعضهم على أن يكون صيرفيّا، فهي وإن قصرته على الحياكة، فلم تقصره على خلف المواعيد وعلى إبدال الغزول، وعلى تشقيق العمل دون الإحكام والصدق وأداء الأمانة، ولم تقصر الصيرفيّ على التطفيف في الوزن والتغليط في الحساب، وعلى دسّ المموّه؛ تعالى الله عزّ وجلّ عن ذلك علوا كبيرا.
١٠٤-[خضوع النتاج المركب للطبيعة]
ولو كان أمر النّتاج وما يحدث بالتراكيب ويخرج من التزاويج، إلى تقدير الرأي وما هو أقرب إلى الظنّ، لكانت الأظلاف تجري مجرى الحوافر والأخفاف. ألا ترى أنّ قرابة الضأن من الماعز، كقرابة البخت من العراب، والخيل من الحمير!! وسبيل نتائج الظّلف على خلاف ذلك؛ لأنّ التيس- على شدّة غلمته- لا يعرض للنعجة إلّا بالقليل الذي لا يذكر. وكذلك ما يحدث بينهما من الولد كذلك: إمّا ألّا يتمّ خلقه، وإما ألّا يعيش؛ وكذلك الكبش والعنز فضلا عن أن يكون بينهما نتاج؛ لأنه قد يضرب الجنس في الجنس الذي لا يلقحه، ولا يكون اللّقاح إلا بعد ضراب.
وطلب التيس للنعجة قليل وأقلّ من القليل، وكذلك الكبش للعنز، وأقلّ من ذلك أن تتلاقح ولا يبقى ذلك الولد البتة.
وقد تجاسر ناس على توليد أبواب من هذا الشكل، فادّعوا أمورا، ولم يحفلوا بالتقريع والتكذيب عند مسألة البرهان!!
١٠٥-[الزرافة خلق مركّب]«١»
زعموا أنّ الزرافة خلق مركب من بين الناقة الوحشية وبين البقرة الوحشية، وبين الذّيخ وهو ذكر الضباع؛ وذلك أنّهم لّما رأوا أنّ اسمها بالفارسية (أشتر كاو