قالوا: فليس الدّيك من بابة الكلب؛ لأنّه إن ساوره قهره قهرا ذريعا. وسلاح الكلب الذي هو في فيه، أقوى من صيصة «١» الديك التي في رجله، وصوته أندى وأبعد مدى وعينه أيقظ.
٣٤١-[دفاع عن الكلب]
والكلب يكفي نفسه ويحمي غيره، ويعول أهله، فيكون لصاحبه غنمه وليس عليه غرمه. ولما يرمح «٢» الدوابّ من الناس، ولما يحرن ويجمع، وتنطح وتقتل أهلها في يوم واحد، أكثر ممّا يكون من جميع الكلاب في عام.
والكبش ينطح فيعقر ويقتل، من غير أن يهاج ويعبث به.
والبرذون يعضّ ويرمح من غير أن يهاج به ويعبث.
وأنت لا تكاد ترى كلبا يعضّ أحدا إلّا من تهييج شديد، وأكثر ذلك أيضا إنّما هو النّباح والوعيد.
٣٤٢-[معرفة الكلب صاحبه وفرحه به]
والكلب يعرف وجه ربّه من وجه عبده وأمته، ووجه الزائر. حتّى ربّما غاب صاحب الدار حولا مجرّما، فإذا أبصره قادما اعتراه من الفرح والبصبصة «٣» ، والعواء الذي يدلّ على السرور، وعلى شدّة الحنين ما لا يكون فيه شيء فوقه.
٣٤٣-[قصّة أخرى في وفاء كلب]
وخبّرني صديق لي قال: كان عندنا جرو كلب، وكان لي خادم لهج بتقريبه، مولع بالإحسان إليه، كثير المعاينة له، فغاب عن البصرة أشهرا، فقلت لبعض من عندي: أتظنون أنّ فلانا (يعني الكلب) يثبت اليوم صورة فلان (يعني خادمه الغائب) وقد فارقه وهو جرو، وقد صار كلبا يشغر ببوله؟ قالوا: ما نشك أنّه قد نسي صورته وجميع برّه كان به. قال: فبينا أنا جالس في الدار إذ سمعت من قبل باب الدار نباحه، فلم أر شكل نباحه من التأنّب والتعثيث «٤» والتوعّد، ورأيت فيه بصبصة