للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا الصّيد الذي ليس للكلب، ولا لعناق الأرض [١] ، ولا للفهد، ولا لشيء من ذوات الأربع مثله في الحذق والختل والمداراة، وفي صواب الوثبة، وفي التسدّد وسرعة الخطف، فليس مثل الذي يقال له الليث، وهو الصّنف المعروف من العناكب بصيد الذّبّان؛ فإنّك تجده إذا عاين الذّبّان ساقطا، كيف يلطأ [٢] بالأرض، وكيف يسكّن جميع جوارحه للوثبة، وكيف يؤخّر ذلك إلى وقت الغرّة، وكيف يريها أنّه عنها لاه؛ فإنّك ترى من ذلك شيئا لم تر مثله من فهد قطّ، وإن كان الفهد موصوفا منعوتا.

واعلم أنّه قد ينبغي ألّا يكون في الأرض شيء أصيد منه؛ لأنّه لا يطير، ولا يصيد إلّا ما يطير! ويصيد طائرا شديد الحذر، ثمّ يصيد صيّادا! لأن الذّباب يصيد البعوض. وخديعتك للخدّاع أعجب، ومكرك بالماكر أغرب! فكذلك يكون صيد هذا الفن من العنكبوت.

وزعم الجرداني أنّ الوزغ تختل الذّبان، وتصيدها صيدا حسنا شبيها بصيد اللّيث.

قال: والزّنبور حريص على صيد الذّبّان، ولكنه لا يطمع فيها إلّا أن تكون ساقطة على خرء، دون كلّ تمر وعسل؛ لشدّة عجبها بالخرء، وتشاغلها به! فعند ذلك يطمع فيه الزنبور ويصيده.

وزعم الجرداني وتابعه كيسان: أنّ الفهد إنما أخذ ذلك عن اللّيث. ومتى رآه الفهد يصيد الذّبّان حتى تعلّم منه؟! فظننت أنّهما قلّدا في ذلك بعض من إذا مدح شيئا أسرف فيه.

٧٨٨-[تقليد الحيوان للحيوان]

ويزعمون أنّ السّبع الصّيود إذا كان مع سبع هو أصيد منه، تعلّم منه وأخذ عنه. وهذا لم أحقّه. فأمّا الذي لا أشكّ فيه فأنّ الطائر الحسن الصّوت الملحّن، إذا كان مع نوائح الطّير ومغنّياتها، فكان بقرب الطّائر من شكله، وهو أحذق منه وأكرز وأمهر، جاوبه وحكاه، وتعلّم منه، أو صنع شيئا يقوم مقام التعلّم.


[١] عناق الأرض: دويبة أصغر من الفهد، يصيد كل شيء، حتى الطير، حياة الحيوان ٢/٧٩.
[٢] لطأ: لصق «القاموس: لطأ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>