وبعض الإناث لا تزال تعرفه وتعطف عليه، وبعض الإناث تأكل ولدها، وكذلك بعض الذكورة. وبعض الأجناس يعادي كلّ ما يكسر بيضها أو يأكل أولادها. وجعل يتم بعض الحيوان من قبل أمّهاتها، وجعل يتم بعضها من قبل آبائها، وجعل بعضها لا يلتمس الولد وإن أتاه الولد، وجعل بعضها مستفرغ الهمّ في حبّ الذّرء «١» والتماس الولد؛ وجعل بعضها يزاوج وبعضها لا يزاوج ليكون للمتوكل من الناس جهة في توكّله، وللمتكسّب جهة في تكسّبه وليحضر على بالهم أسباب البرّ والعقوق، وأسباب الحظر والتربية، وأسباب الوحشة من الأرحام الماسّة.
٣٢٨-[افتراق المعاني واختلاف العلل]
ولمكان افتراق المعاني واختلاف العلل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم:«اعقلها وتوكّل»«٢» . وقال لبلال «أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .
فافهموا هذا التدبير، وتعلّموا هذه الحكم، واعرفوا مداخلها ومخارجها ومفرّقها ومجموعها؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لم يردّد في كتابه ذكر الاعتبار، والحثّ على التفكير، والترغيب في النظر وفي التثبّت والتعرّف والتوقّف، إلّا وهو يريد أن تكونوا علماء من تلك الجهة، حكماء من هذه التعبئة «٣» .
٣٢٩-[المعرفة والاستدلال والتمييز]
ولولا استعمال المعرفة لما كان للمعرفة معنى، كما أنّه لولا الاستدلال بالأدلة لما كان لوضع الدلالة معنى. لولا تمييز المضارّ من المنافع، والرديّ من الجيّد بالعيون المجعولة لذلك، لما جعل الله عزّ وجلّ العيون المدركة. والإنسان الحسّاس إذا كانت الأمور المميّزة عنده، أخذ ما يحتاج إليه وترك ما يستغني عنه وما يضرّ أخذه، فيأخذ ما يحبّ ويدع ما يكره، ويشكر على المحبوب ويصبر على المكروه، حتى يذكر بالمكروه كيفيّة العقاب ويذكر بالمحبوب كيفيّة الثواب، ويعرف بذلك كيفيّة التضاعيف، ويكون ما يغمّه رادعا له، وممتحنا بالصّبر عليه، وما يسرّه باسطا له وممتحنا بالشكر عليه. وللعقل في خلال ذلك مجال، وللرأي تقلب، وتنشقّ