ودفّتين طائفيّتين، بخطّ عجيب- فقيل له: لقد أضيع من تجوّد بشعر أبي الشمقمق! فقال: لا جرم والله!! إنّ العلم ليعطيكم على حساب ما تعطونه، ولو استطعت أن أودعه سويداء قلبي، أو أجعله محفوظا على ناظري، لفعلت.
ولقد دخلت على إسحاق بن سليمان في إمرته، فرأيت السّماطين والرجال مثولا كأنّ على رؤوسهم الطير، ورأيت فرشته وبزّته؛ ثم دخلت عليه وهو معزول، وإذا هو في بيت كتبه، وحواليه الأسفاط والرّقوق، والقماطر والدفاتر والمساطر والمحابر، فما رأيته قطّ أفخم ولا أنبل، ولا أهيب ولا أجزل منه في ذلك اليوم؛ لأنّه جمع مع المهابة المحبّة، ومع الفخامة الحلاوة، ومع السّؤدد الحكمة.
وقال ابن داحة: كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، لا يجالس الناس، وينزل مقبرة من المقابر، وكان لا يكاد يرى إلّا وفي يده كتاب يقرؤه. فسئل عن ذلك، وعن نزوله المقبرة فقال: لم أر أوعظ من قبر، ولا أمنع من كتاب، ولا أسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء! فقال: ما أفسدها للجاهل وأصلحها للعاقل!.
٣٥-[ضروب من الخطوط ومنفعتها]
وضروب من الخطوط بعد ذلك، تدلّ على قدر منفعة الخطّ. قال الله تبارك وتعالى كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ
«١» وقال الله عزّ وجلّ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ
«٢» وقال فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ
«٣» وقال وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ
«٤» وقال اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً
«٥» .
ولو لم تكتب أعمالهم لكانت محفوظة لا يدخل ذلك الحفظ نسيان، ولكنّه تعالى وعزّ، علم أنّ كتاب المحفوظ ونسخه، أوكد وأبلغ في الإنذار والتحذير، وأهيب في الصدور.