للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صغر النحلة وضعف أيدها [١] ، ثمّ ارم بعقلك إلى قول الله: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا

[٢] ، فإنك تجدها أكبر من الطّود، وأوسع من الفضاء. ثم انظر إلى قوله: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ

[٣] . فما ترى في مقدار النملة في عقل الغبيّ، وغير الذّكيّ؟! فانظر كيف أضاف الوادي إليها، وخبر عن حذرها ونصحها لأصحابها، وخوفها ممن قد مكّن، فإنك تجدها عظيمة القدر، رفيعة الذكر، قد عظمها في عقلك، بعد أن صغرها في عينك.

١٦٣٣-[عجز الإنسان وصغر قدره]

وخبّرني عن الله تعالى، أمّا كان قادرا أن يعذّب الكنعانيين، والجبابرة، والفراعنة، وأبناء العمالقة: من نسل عاد وثمود، وأهل العتوّ والعنود- بالشياطين ثم بالمردة، ثم بالعفاريت، ثم بالملائكة الذين وكّلهم الله تعالى بسوق السحاب، وبالمدّ والجزر، وبقبض أرواح الخلق. وبقلب الأرضين، وبالماء والريح، وبالكواكب والنيران، وبالأسد والنمور والببور [٤] وبالفيلة والإبل والجواميس، وبالأفاعي والثعابين وبالعقارب والجرارات، وبالعقبان والنسور، وبالتماسيح، وباللّخم [٥] والدّلفين.

فلم عذّبهم بالجراد والقمّل والضفادع؟! وهل يتلقّى عقلك قبل التفكير إلا أنه أراد أن يعرّفهم عجزهم، ويذكّرهم صغر أقدارهم، ويدلّهم على ذلك بأذلّ خلقه، ويعرفهم أن له في كل شيء جندا، وأن القويّ من قوّاه وأعانه، والضعيف من ضعّفه، والمنصور من نصره، والمخذول من خلّاه وخذله، وأنه متى شاء أن يقتل بالعسل الماذي والماء الزّلال كما يقتل بالسمّ الساري، والسيف الماضي قتل؟

ولم كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى على جسده البثرة ابتهل في الدعاء وقال: «إن الله تعالى إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه» ؟! ولم قال لنا: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ

[٦] ؟! فافهم عنه تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه قوله: «آيات» ثم قال:


[١] الأيد: القوة.
[٢] ٦٩/النحل: ١٦.
[٣] ٨٨/النمل: ٢٧.
[٤] الببر: ضرب من السباع، قيل إنه متولد من الزبرقان واللبوة.
[٥] اللخم: سمك بحري يقال له الكوسج. حياة الحيوان ٢/٣٠٥.
[٦] ١٣٣/الأعراف: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>