للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ

[١] ليس هو الصورة، وأنه خلق من نطفة وأن أباه خلق من تراب، ولا أنه يمشي على رجليه، ويتناول حوائجه بيديه، لأن هذه الخصال كلها مجموعة في البله والمجانين، والأطفال والمنقوصين.

والفرق الذي هو الفرق إنما هو الاستطاعة والتمكين. وفي وجود الاستطاعة وجود العقل والمعرفة. وليس يوجب وجودهما وجود الاستطاعة.

وقد شرّف الله تعالى الجانّ وفضّله على السّبع والبهيمة، بالذي أعطاه من الاستطاعة الدالة على وجود العقل والمعرفة.

وقد شرّف الله الملائكة وفضلهم على الجانّ، وقدمهم على الإنسان وألزمهم من التكليف على حسب ما خوّلهم من النعمة. وليست لهم صورة الإنسان ولم يخلقوا من النّطف، ولا خلق أبوهم من التراب. وإنما الشأن في العقل، والمعرفة، والاستطاعة.

أفتظنّ أن الله عز وجل يخصّ بهذه الخصال بعض خلقه دون بعض، ثم لا يطالبهم إلا كما يطالب بعض من أعدمه ذلك، وأعراه منه؟! فلم أعطاه العقل، إلا للاعتبار والتفكير؟! ولم أعطاه المعرفة، إلا ليؤثّر الحقّ على هواه؟! ولم أعطاه الاستطاعة، إلا لإلزام الحجة؟! فهل فكّرت قطّ في فصل [٢] ما بينك وبين الخلق المسخّر لك، وبين الخلق الذي جعل لك والخلق المسلط عليك؟! وهل فكّرت قط في فصل ما بين ما جعله عليك عاديا؟! وبين ما جعله لك غاذيا؟! وهل فكرت قطّ في فصل ما بين الخلق الذي جعل لك عذابا، والخلق الذي جعل لك قاتلا، وبين ما آنسه بك وبين ما أوحشه منك، وبين ما صغّره في عينك وعظّمه في نفسك، وبين ما عظّمه في عينك وصغّره في نفسك؟!.

بل هل فكرت في النحلة والعنكبوت والنملة، أنت ترى الله تقدّس وعزّ كيف نوّه بذكرها ورفع من قدرها، وأضاف إليها السّور العظام، والآيات الجسام، وكيف جعل الإخبار عنها قرآنا وفرقانا، حيث يقول: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ

[٣] . فقف


[١] ١٣/الجاثية: ٤٥.
[٢] الفصل: الفرق.
[٣] ١/النحل: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>